وعقابه بكرمه ورحمته. وجاء في التنزيل في حق الكافرين: ﴿النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ [غافر: ٤٦] فأخبر تعالى أن الكافرين يعرضون على النار، كما أن أهل السعادة يعرضون على الجنان، بالخبر الصحيح في ذلك، وهل كل مؤمن يعرض على الجنان؟ فقيل: ذلك مخصوص بالمؤمن الكامل الإيمان، ومن أراد الله إنجاءه من النار، وأما من أنفذ الله عليه وعيده من المخلصين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، فله مقعدان يراهما جميعا، كما أنه يرى عمله شخصين في وقتين أو في وقت واحد قبيحا وحسنا، وقد يحتمل أن يراد بأهل الجنة؛ كل من يدخلها، كيفما كان، والله أعلم.
ثم قيل: هذا العرض إنما هو على الروح وحده، ويجوز أن يكون مع جزء من البدن، ويجوز أن يكون عليه مع جميع الجسد، فيرد إليه الروح، كما ترد عند المسألة حين يقعده الملكان، ويقال له:«انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة» وكيفما كان، فإن العذاب محسوس، والألم موجود، والأمر شديد، وقد ضرب بعض العلماء لتعذيب الروح مثلا في النائم فإنه روحه تعذّب أو تنعم والجسد لا يحسّ بشيء من ذلك. وقال عبد الله بن مسعود:«أرواح آل فرعون في أجواف طير سود، يعرضون على النار كل يوم مرتين، يقال لهم: هذه داركم»، فذلك قوله تعالى: ﴿النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ وعنه أيضا: «أن أرواحهم في جوف طير سود، تغدو على جهنم وتروح كل يوم مرتين، فذلك عرضها» وروى شعبة عن يعلى بن عطاء قال: سمعت ميمون بن ميسرة يقول: كان أبو هريرة إذا أصبح ينادي: «أصبحنا والحمد لله، وعرض آل فرعون على النار» وإذا أمسى ينادي: «أمسينا والحمد لله، وعرض آل فرعون على النار» فلا يسمع أبا هريرة أحد إلا تعوّذ بالله من النار.
وقد قيل: إن أرواحهم في صخرة سوداء تحت الأرض السابعة، على شفير جهنم، في حواصل طير سود. والغداة والعشي إنما هو بالنسبة إلينا على ما اعتدناه، لا لهم، إذ الآخرة ليس فيها مساء ولا صباح، فإن قيل فقد قال الله تعالى: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ٦٢] قلنا: الجواب عنهما واحد، وسيأتي له مزيد بيان في وصف الجنان - إن شاء الله تعالى.