للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصابع الرحمن» أي بين نعمتين (١) من نعم الرحمن، يقال: لفلان عليّ إصبع، أي:

أثر حسن إذا أنعم عليه نعمة حسنة، وللراعي على ماشيته إصبع، أي: أثر حسن.

وأنشد الأصمعي للراعي:

ضعيف العصى بادي العروق ترى له … عليها إذا ما أجدب الناس إصبعا

وقال آخر:

صلاة وتسبيح وإعطاء سائل … وذي رحم تبتل منك إصبع

أي: أثر حسن.

وقال آخر:

من يجعل الله عليه إصبعا … في الخير والشرّ يلقاه معا

فإن قيل: كيف جاز إطلاق الشمال على الله تعالى وذلك يقتضي النقص؟ قيل: هو مما انفرد به عمر بن حمزة (٢) عن سالم، وقد روى هذا الحديث نافع وعبد الله بن مقسم عن ابن عمر لم يذكرا فيه الشمال. ورواه أبو هريرة وغيره عن النبي ولم يذكر فيه واحد منهم الشمال. قال البيهقي: وروي ذكر الشمال في حديث آخر في غير هذه القصة إلا أنه ضعيف بمرة تفرد بأحدهما جعفر بن الزبير وبالآخر يزيد الرقاشي، وهما متروكان، وكيف يصح ذلك وصحيح عن النبي أنه سمى كلتا يديه يمينا؟ وكأن من قال ذلك أرسله من لفظه على ما وقع له، أو على عادة العرب في ذكر الشمال في مقابلة اليمين.

قال الخطابي: «ليس فيما يضاف إلى الله ﷿ من صفة اليد شمال، لأن الشمال محل النقص والضعف». وقد روي: «كلتا يديه يمين» وليس معنى اليد عندنا الجارحة، وإنما هي صفة جاء بها التوقيف، فنحن نطلقها على ما جاءت ولا نكيفها، وننتهي إلى حيث انتهى بنا الكتاب والسنة المأثورة الصحيحة وهو مذهب أهل السنة والجماعة. وقد يكون اليمين في كلام العرب بمعنى القدرة والملك ومنه قوله تعالى: ﴿أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ﴾ [النساء: ٣] يريد بها الملك، وقال: ﴿لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ [الحاقة: ٤٥] أي: بالقوة والقدرة، أي: أخذنا قدرته وقوته. قال الفراء: اليمين القوة والقدرة، وأنشد:

إذا ما راية رفعت لمجد … تلقاها عرابة باليمين


(١) وهذا تأويل باطل، والصواب أخذ اللفظ على ظاهره دون تشبيه أو تعطيل أو تأويل.
(٢) وهو ضعيف كما في «التقريب» (٤٨٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>