للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفخة الأولى حقيقة. وفي هذا القول الثاني تكون صفته بذلك إخبارا عن شدته، وإن لم يوجد غير ذلك الشيء فيه، وهذه طريقة العرب في فصاحتها».

قلت: ما ذكره ابن العربي من صحّة الحديث وكلامه فيه: فيه نظر لما نبينه آنفا، وقد قال أبو محمد عبد الحق في كتاب «العاقبة» له: ورد في هذا الباب حديث منقطع لا يصح ذكره الطبري من حديث أبي هريرة عن النبي قال: «ينفخ في الصور ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع». فذكره. قال: وهو عنده في سورة يس.

قلت: قد تقدم أن الصحيح في النفخ إنما هو مرتان لا ثلاث، وحديث مسلم في قول الله تعالى لآدم: «يا آدم ابعث بعث النار»؛ إنما هو بعد البعث يوم القيامة.

ونفخة الفزع هي نفخة الصعق على ما تقدم، أو نفخة البعث على ما قيل، على ما يأتي، ولأنه لو كانت نفخة الفزع غير نفخة الصعق؛ لاقتضى ذلك أن يكون بقاء الناس بعدها أحياء ما شاء الله، ويكون هناك ليل ونهار، حتى تأتي نفخة الصعق، التي يموت لسماعها جميع الخلق، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وعلى هذا لا يكون قوله: «ابعث» في أثناء اليوم الذي يكون مبدؤه نفخة الفزع، على ما ذكره ابن العربي، والله أعلم.

ولا يلزم من زلزال الأرض أن تكون عن نفخة، فإنا نشاهد تحرك الأرض وميدها بمن عليها، وما عليها من جبال ومياه، كالسفينة في البحر إذا تلاطمت أمواجه من غير نفخ، وإنما تلك الزلزلة من أشراط الساعة ومقدّماتها كسائر أشراطها.

وقد قال علقمة والشعبي: الزلزلة من أشراط الساعة وهي في الدنيا. وكذلك قال أنس بن مالك والحسن البصري. وقد ذكر القشيري أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم في تفسيره: أن المراد بنفخة الفزع؛ النفخة الثانية، أي: يحيون فزعين يقولون: ﴿مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا﴾ [يس: ٥٢] ويعاينون من الأمر ما يهولهم ويفزعهم - والله أعلم -، ونحو ذلك ذكره الماوردي واختاره.

وقد قيل: إن هذه الزلزلة تكون قبل الساعة، في النصف من شهر رمضان ومن بعدها طلوع الشمس من مغربها، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿تَرَوْنَها﴾ الضمير المنصوب في ﴿تَرَوْنَها﴾ للزلزلة أو القيامة، قولان؛ فعلى الأول: أن ذلك في الدنيا قبل نفخة الصعق، لعظم تلك الزلزلة وقوة حركتها بالأرض، لأن القيامة لا رضاع فيها ولا حمل، فترى الناس سكارى؛ يعني من الخوف. وعلى القول الثاني يكون فيه وجهان:

أحدهما: أن يكون ذلك مثلا، والمعنى: أنه يكون يوما لا يهم أحدا فيه إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>