والذي ثبت بسياق الآيات: أن هذه الزلزلة إنما تكون بعد إحياء الناس وبعثهم من قبورهم، لأنه لا يراد بها إلا إذعار الناس والتهويل عليهم، فينبغي أن يشاهدوها ليفزعوا منها ويهولهم أمرها، ولا تمكن المشاهدة منهم وهم أموات، ولأنه تعالى قال: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها﴾ [الزلزلة: ٤] أي: تخبر عما عمل عليها من خير وشر ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أَشْتاتاً﴾ [الزلزلة: ٦] فدل ذلك على أن هذه الزلزلة إنما تكون والناس أحياء واليوم يوم الجزاء وقال تعالى: ﴿فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ﴾ [الحاقة: ١٣] يعني الآخرة ﴿وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ﴾ [الحاقة: ١٤] إلى قوله:
﴿لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٨] فدلت هذه السورة على أن اصطدام الأرض والجبال لا يكون إلا بعد الإحياء، ودلت هذه الآية على أن الكوائن إنما تكون بعد النشأة الثانية، والله أعلم.
وأما قوله: ﴿يَوْمَ التَّنادِ﴾ [غافر: ٣٢] فقال الحسن وقتادة: ذلك يوم ينادي أهل الجنة أهل النار ﴿أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا﴾ [الأعراف: ٤٤] وينادي أهل النار أهل الجنة ﴿أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ﴾ [الأعراف: ٥٠]. ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ [غافر: ٣٣] يعني: عن النار، أي: غير قادرين وغير معجزين، في تفسير مجاهد. وقيل:
معناه يوم ينادي أهل النار بالويل والثبور، ويولون مدبرين من شدة العذاب.
وقيل: إن ذلك نداء بعض الناس لبعضهم في المحشر، وتوليهم مدبرين إذا رأوا عنقا من النار.
وقال قتادة: معنى «تولون مدبرين» منطلقا بكم إلى النار، ﴿ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ﴾ [غافر: ٣٣] أي: مانع يمنعكم، فإن قيل، فقد قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرّادِفَةُ﴾ [النازعات: ٦، ٧] إلى أن قال: ﴿فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ﴾ [النازعات: ١٣]. وهذا يقتضي بظاهره أنها ثلاث، قيل له: ليس كذلك، وإنما المراد بالزجرة النفخة الثانية التي يكون عنها خروج الخلق من قبورهم، كذلك قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وابن زيد وغيرهم. قال مجاهد: هما صيحتان، أما الأولى فيموت كل شيء بإذن الله، وأما الأخرى فيحيا كل شيء بإذن الله.
وقال مجاهد أيضا:«الرادفة» حين تنشق السماء، وتحمل الأرض والجبال فتدك دكة واحدة. وقال عطاء:«الراجفة» القيامة و «الرادفة» البعث، وقال ابن زيد:
«الراجفة» الموت «والرادفة» الساعة، فهذا يبين لك ما قلناه من أن المراد بالزجرة النفخة الثانية، والله أعلم.
واختلفوا في «الساهرة» اختلافا كثيرا، فقال ابن عباس: وأما الساهرة فأرض