للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيكلم المأمنين ويحاسبهم حسابا يسيرا من غير ترجمان، إكراما لهم كما أكرم موسى في الدنيا بالكليم، ولا يكلم الكفار فتحاسبهم الملائكة، ويميزهم بذلك عن أهل الكرامة، فتتسع قدرته لمحاسبة الخلق كلهم معا، كما تتسع قدرته لإحداث خلائق كثيرة معا. قال الله تعالى: ﴿ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨] أي: إلا كخلق نفس واحدة.

ويروى عن علي بن أبي طالب ؛ وسئل عن محاسبة الخلق، فقال: «كما يرزقهم في غداة واحدة كذلك يحاسبهم في ساعة واحدة».

وفي «صحيح مسلم» حديث أبي هريرة قال: قيل لرسول الله : «هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ قال: «هل تضارّون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة؟» قالوا: لا. قال: «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر وليس في سحابة»؟ قالوا: لا. قال: «فوالذي نفس محمد بيده لا تضارّون في رؤية ربكم إلا كما تضارّون في رؤية أحدهما». قال؛ فيلقى العبد فيقول: أيا فل (١)! ألم أكرمك وأسوّدك وأزوجك وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وترتع؟ فيقول: بلى.

فيقول: أفظننت أنك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: إني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني؛ فيقول له، ويقول هو مثل ذلك بعينه، ثم يلقى الثالث؛ فيقول له مثل ذلك. فيقول: يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وتصدقت وصمت، ويثني بخير ما استطاع. قال: فيقول هاهنا إذا. ثم يقول: الآن نبعث شاهدا عليك. فيقول في نفسه: من ذا الذي يشهد عليّ؟ فيختم على فيه، ويقال: لفخذه:

انطقي، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله، وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه» (٢).

وقد قال الله تعالى: ﴿اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ [الإسراء: ١٤] أي: حاسبا فعيلا بمعنى فاعل؛ «وإذ نظر فيها ورأى أنه قد هلك فإن أدركته سابقة حسنة وضعت له لا إله إلا الله في كفة فرجحت له السموات والأرض». وفي رواية «فطاشت السجلات وثقلت البطاقة» (٣) وسيأتي، وقال: «من نوقش الحساب عذّب» (٤).

ومنها: يوم السؤال، والبارئ يسأل الخلق في الدنيا والآخرة تقريرا لإقامة الحجة وإظهارا للحكمة، قال الله تعالى: ﴿سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ﴾


(١) أي: يا فلان.
(٢) أخرجه مسلم (٢٩٦٨).
(٣) تقدّم تخريجهما.
(٤) تقدّم تخريجهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>