مقتضى دليل المعجزة، وعند المعتزلة أن ذلك مقتضى دليل العقل على أصولهم.
فقال الطبري وغيره من الفقهاء والمتكلمين والمحدّثين: تقع الصغائر منهم، خلافا للرافضة؛ حيث قالوا: إنهم معصومون من جميع ذلك كله، واحتجوا بما وقع من ذلك في التنزيل، وثبت من تنصلهم من ذلك في الحديث، وهذا ظاهر لا خفاء به.
وقال جمهور من الفقهاء من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي: إنهم معصومون من الصغائر كلها كعصمتهم من الكبائر، لأنا أمرنا باتباعهم في أفعالهم وآثارهم وسيرهم أمرا مطلقا من غير التزام قرينة، فلو جوّزنا عليهم الصغائر لم يمكن الاقتداء بهم، إذ ليس كل فعل من أفعالهم يتميز مقصده من القربة والإباحة والحظر أو المعصية، ولا يصح أن يؤمر المرء بامتثال أمر لعلّه معصية، لا سيما على من يرى تقديم الفعل على القول إذا تعارضا من الأصوليين.
قال الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني:«واختلفوا في الصغائر؛ والذي عليه الأكثر أن ذلك غير جائز عليهم، ومال بعضهم إلى تجويزها، ولا أصل لهذه المقالة».
وقال بعض المتأخرين ممن ذهب إلى القول الأول: والذي ينبغي أن يقال:
إن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ونسبها إليهم، وعاتبهم عليها، وأخبروا بها عن نفوسهم وتنصلوا منها، واستغفروا منها، وتابوا، وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا تقبل التأويل جملتها، وإن قبل ذلك آحادها، وكل ذلك مما لا يزري بمناصبهم، وإنما تلك الأمور التي وقعت منهم على جهة الندور وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك، فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات، وفي حقهم سيئات، بالنسبة إلى مناصبهم وعلوّ أقدارهم، إذ قد يؤاخذ الوزير بما يثاب عليه السائس، فأشفقوا من ذلك في موقف القيامة مع علمهم بالأمن والأمان والسلامة، وهذا هو الحق (١).
ولقد أحسن الجنيد ﵁ حيث قال: حسنات الأبرار سيئات المقربين، فهم صلوات الله عليهم وسلامه وإن كان قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم فلم يخل ذلك بمناصبهم ولا قدح في رتبهم، بل قد تلافاهم واجتباهم وهداهم ومدحهم وزكّاهم واختارهم واصطفاهم، صلوات الله عليهم وسلامه.
(١) وانظر في تفصيل المسألة: «المحصول» للرازي (٣/ ٢٢٥) و «التحصيل من المحصول» للأرموي (١/ ٤٣٣ - ٤٣٤) و «نفائس الأصول في شرح المحصول» للقرافي (٥/ ٢٣٩٢ - ٢٣٩٧) و «نهاية الوصول في دراية الأصول» لصفي الدين الهندي (٥/ ٢١١٣ - ٢١٢٠) و «إحكام الأحكام للآمدي» (١/ ١٧٠) و «نهاية السئول في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول» للأسنوي (٦٤١/ ٢ - ٦٤٣) وغيرها من كتب الأصول.