العرضة في حساب واحد في شأن الثواب والعقاب، خوطبوا يومئذ بمخاطبة واحدة كأنهم جماعة واحدة، لأنه بدء خلقهم للعبودية، كما قال تعالى: ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] والثواب والعقاب على العبودية، إلا أن الجن أصلهم من مارج من نار، وأصلنا من تراب، وخلقهم غير خلقنا، ومنهم مؤمن وكافر، وعدوّنا إبليس عدوّ لهم يعادي مؤمنهم ويوالي كافرهم، وفيهم أهواء شيعية وقدرية ومرجئة، وهو معنى قوله: ﴿كُنّا طَرائِقَ قِدَداً﴾ [الجن: ١١].
وقيل: إن الله تعالى لما قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ [هود: ٢٣] دخل في الجملة الجن والإنس، فثبت للجن من وعد الجنة لعموم الآية ما ثبت للإنس.
فإن قيل: فما الحكمة في ذكر الجن مع الإنس في الوعيد، وترك إفراده الإنس عنهم في الوعد؟
فالجواب: أنهم قد ذكروا أيضا في الوعد؛ لأنه سبحانه يقول: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ﴾ ثم قال: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا﴾ [الأحقاف: ١٨، ١٩] وإنما أراد لكل من الإنس والجن، فقد ذكروا في الوعد مع الإنس.
فإن قيل: فقد ذكر يخاطب الجن والإنس في النار، لأن الله تعالى قال:
﴿وَقالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ﴾ إلى قوله: ﴿وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢٢]. و ﴿* قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ [ق: ٢٧]. ولم يأت عن تفاوض الفريقين في الجنة خبر.
قيل: إنما ذكر من تفاوضهم في النار أن الواحد من الإنس يقول للشيطان الذي كان قرينه في الدنيا إنه أطغاني وأضلني. فيقول له قرينه: ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد، ولكنه كان ضالا بنفسه، ولا سبب بين الفريقين يدعو أهل الجنة فيهما إلى التفاوض فلذلك سكت عنهما. وأيضا فإن الله تعالى أخبر الناس أن عصاتهم يكونون قرناء الشياطين يتخاصمون في النار، ليزجرهم بذلك عن التمرد والعصيان، وهذا المعنى مقصود في الأخبار، فلهذا سكت عن ذلك في الوعد به والله أعلم.