للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثله ما جاء في حديث التنزيل مفسرا فيما أخرجه النسائي عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: قال رسول الله : «إن الله ﷿ يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا يقول: هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟ هل من سائل يعطى» (١). صححه أبو محمد عبد الحق. وكل حديث اشتمل على ذكر الصوت أو النداء فهذا التأويل فيه، وأن ذلك من باب حذف المضاف. والدليل على ذلك ما ثبت من قدم كلام الله تعالى على ما هو مذكور في كتاب الديانات.

فإن قال بعض الأغبياء (٢): لا وجه لحمل الحديث على ما ذكرتموه فإن قيل:

«أنا الديان» وليس يصدر هذا الكلام حقّا وصدقا إلا من رب العالمين.

قيل له: إن الملك إذا كان يقول عن الله تعالى وينبئ عنه فالحكم يرجع إلى الله رب العالمين. والدليل عليه أن الواحد منا إذا تلا قول الله تعالى: ﴿إِنِّي أَنَا اللهُ﴾ [طه: ١٤] فليس يرجع إلى القارئ، وإنما القارئ ذاكر لكلام الله تعالى ودال عليه بأصواته، وهذا بيّن، وقد أتينا عليه في الصفات من كتاب «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العليا».


(١) أخرجه النسائي في عمل اليوم و «الليلة» من «الكبرى» (١٢٤/ ١٠٣١٦/٦) وقال الألباني في «إرواء الغليل» (٢/ ١٩٨): «ورواه النسائي بلفظ منكر، ليس فيه ذكر النزول، ولا نسبة للقول المذكور إلى الله تعالى كما بينته في «الضعيفة» (٣٨٩٧)».
قلت: أخرجه النسائي من طريق: عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا أبو إسحاق، حدثنا أبو مسلم الأغر، سمعت أبا هريرة وأبا سعيد يقولان: … فذكره.
وهذا الإسناد فيه؛ عمر بن حفص بن غياث «ثقة ربما وهم» كما في «التقريب» (٤٩١٤)، وأبوه حفص؛ «ثقة فقيه تغير حفظه قليلا في آخره» كما في «التقريب» أيضا (١٤٣٩).
فالنكارة التي في الحديث أظنها منهما آتية.
فمثل هذا الإسناد لا يعوّل عليه، لا سيما إذا خالفه رواية الثقات.
فالحديث أخرجه مسلم (٧٥٨) وأبو عوانة في «مسنده» (٢٨/ ٢١٩٤/٢ - ٢١٩٥) والطيالسي (٢٢٣٢، ٢٣٨٥) والنسائي نفسه في المصدر السابق (١٢٤/ ١٠٣١٥/٦) وغيرهم.
من طرق؛ عن شعبة، ومنصور، والأعمش، عن أبي إسحاق، عن الأغر به.
ولفظه عند هؤلاء: «إن الله ﷿ يمهل، حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول؛ نزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر؛ هل من تائب، هل من سائل، هل من داع؟ حتى ينفجر الفجر». فتبيّن أن رواية النسائي الأول مخالفة لرواية الثقات الأثبات؛ بل هي منكرة. والله تعالى أعلم.
(٢) ما كان يحسن بالقرطبي ، وغفر له - استعمال مثل هذا اللفظ، خاصة أن الذين قالوا هذا الكلام هم: أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن منده وابن خزيمة وابن بطة واللالكائي، وغيرهم من الأئمة قبلهم وبعدهم. والله المستعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>