للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصناف الملائكة والجن، وأهل الجبروت هم المصطفون من الملائكة، قال الله تعالى: ﴿اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النّاسِ﴾ [الحج: ٧٥] فهم كروبيون وحملة العرش وأصحاب سرادقات الجلال، كما وصفهم الله في كتابه وأثنى عليهم، حيث يقول: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء: ١٩، ٢٠] وهم أهل حضرة القدس المعنيون بقوله تعالى: ﴿لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا إِنْ كُنّا فاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٧]. وهم يموتون على هذه المكانة من الله تعالى والقربة، وليس زلفاهم بمانع لهم من الموت.

قال ابن قيس: وكما تفرقت الطرق بهذه العوالم، كذلك تفرّقت طرق الإحساسات في اجتراع الغصص والمرارات، فإحساس روحاني للروحانيات، كما يجده النائم في سنته، أو الغصة الوجيعة تغصه في نومته، فيغص منها في حال رقدته، ويتململ ذلك إلى حين يقظته، حتى إذا استيقظ لم يجده شيئا ووجد الأنس عنده فأزال ألمه، ووافاه أمانه ونعمه، وإحساس علوي قدسي؛ كما يجده الوسنان من الروحانية، وهو ما لا يدركه العقل البشري إلا توهّما، ولا يبلغه التحصيل إلا تخيّلا وتوسّما، وإحساس بشري سفلي إنسي وجني، وهو ما لا يكاد أن توصف شدائده وغصصه، فكيف وقد قالوا بالغصة الواحدة منه كألف ضربة بالسيف، فما عسى أن ينعت ويوصف وهذا الذي لا يمكن أن يعرف؟ والخلق أيضا في هذا الإحساس فرق، يختلفون باختلاف المنازل والطرق، فالفرقة الإسلامية في نفسها لا تجد منه ما تجد غير الإسلامية، ثم الإسلامية نفسها لا تجد منه النبوية كما تجد التبعية. ثم النبوية في ذاتها ومقامات إحساساتها تختلف على حكم الكلمة، وصدق القيل، باختلاف التقديم والتفضيل، قال الله تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ﴾ [البقرة: ٢٥٣]. وقد نبّهت الخلّة الذاتية عزّت سبحاتها، وتقدّست صفاتها، على خفة ذلك عن إبراهيم وأشارت إلى تهوين الأمر عليه، وتبيين ما خفف عنه، صلوات الله وسلامه عليه، فقال: «أما إنا قد هونا عليكم يا إبراهيم» (١). وما وصفه الحق بالهون فلا أهون منه، كما ما كبره وعظمه فلا أكبر ولا أعظم منه، ولا فرق بين أن قال: موتا هينا، وملكا عظيما كبيرا، وقال في نعيم الجنة: ﴿وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً﴾ [الإنسان: ٢٠]، فكما أنه لا أكبر من ملك الجنة، كذلك لا أهون من موت الخلّة، والله أعلم.


(١) تقدّم أن الخبر موضوع لا يصح.

<<  <  ج: ص:  >  >>