للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يردها عليه في ذلك اليوم بعظم قدرها ومحل موقعها، وترجح بخطاياه وإن كثرت، وبذنوبه وإن عظمت، ولله الفضل على عباده، ويتفضل على من يشاء بما شاء.

قلت: ويدل على هذا قوله في الحديث فيقول: «بلى إن لك عندنا حسنة» ولم يقل: إن لك إيمانا. وقد سئل رسول الله عن لا إله إلا الله أمن الحسنات هي؟ فقال: «من أعظم الحسنات» (١). خرجه البيهقي وغيره.

ويجوز أن تكون هذه الكلمة هي آخر كلامه في الدنيا، كما في حديث معاذ بن جبل قال: قال رسول الله : «من كان آخر كلامه في الدنيا لا إله إلا الله وجبت له الجنة» (٢). رواه صالح بن أبي غريب، عن كثير بن مرة، عن معاذ وقد تقدم أول الكتاب.

وقيل: يجوز حمل هذه الشهادة على الشهادة التي هي الإيمان، ويكون ذلك في كل مؤمن ترجح حسناته، ويوزن إيمانه كما توزن سائر حسناته، وإيمانه يرجح سيئاته، كما في هذا الحديث، ويدخله النار بعد ذلك فيطهره من ذنوبه، ويدخله الجنة بعد ذلك. وهذا مذهب قوم يقولون: إن كل مؤمن يعطي كتابه بيمينه، وكل مؤمن يثقل ميزانه، ويتأولون قول الله تعالى: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٢] أي: الناجون من الخلود، وهو في قوله: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ [القارعة: ٧] يوما ما، وكذلك في قول النبي : «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة» إنه صائر إليها لا محالة أصابه قبل ذلك ما أصابه.

قلت: هذا تأويل فيه نظر إلى دليل من خارج ينص عليه، والذي تدل عليه الآي والأخبار أن من ثقل ميزانه فقد نجا وسلم، وبالجنة أيقن وعلم أنه لا يدخل النار بعد ذلك، والله أعلم.

وقال : «ما شيء يوضع في الميزان أثقل من خلق حسن» (٣) خرجه الترمذي عن أبي الدرداء وقال فيه: حديث حسن صحيح. وقد تقدم من حديث سمرة بن جندب قوله : «ورأيت رجلا من أمتي قد خف ميزانه فجاء أفراطه فثقلوا ميزانه». وكذلك الأعمال الصالحة دليل على فضل الصلاة على النبي .


(١) أخرجه أحمد (٥/ ١٦٩) والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص ١٠٧. وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده. انظر «الصحيحة» رقم (١٣٧٣).
(٢) تقدّم.
(٣) أخرجه أبو داود (٤٧٩٩) والترمذي (٢٠٠٢)، وصحّحه الشيخ الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>