للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس فيهم مرتاب ولا منافق ولا زنديق فيقول الله تعالى: يا أهل الموقف من ربكم؟ فيقولون:

الله، فيقول لهم: أتعرفونه؟ فيقولون: نعم. فيتجلى لهم ملك عن يسار العرش، لو جعلت البحار السبع في نقرة إبهامه لما ظهرت، فيقول لهم بأمر الله: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك، فيتجلى لهم ملك العرش عن يمين العرش لو جعلت البحار الأربعة عشر في نقرة إبهامه لما ظهرت فيقول لهم: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك، فيتجلى لهم الرب سبحانه في صورة غير صورته التي كانوا يعرفونها، ويسمعونه وهو يضحك فيسجدون له جميعهم، فيقول: أهلا بكم، ثم ينطلق بهم سبحانه إلى الجنة فيتبعونه فيمر بهم على الصراط. والناس أفواج: المرسلون، ثم النبيون، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ثم المؤمنون ثم العارفون، ثم المسلمون. منهم المكتوب لوجهه ومنهم المحبوس في الأعراف ومنهم قوم قصروا عن تمام الإيمان فمنهم من يجوز الصراط على مائة عام وآخر يجوز على ألف، ومع ذلك كله لن تحرق النار من رأى ربه عيانا لا يضام في رؤيته» (١).

فتوهّم نفسك يا أخي إذا صرت على الصراط ونظرت إلى جهنم تحتك سوداء مظلمة قد لظى سعيرها وعلا لهيبها وأنت تمشي أحيانا وتزحف أخرى.

قال الشاعر:

أبت نفسي تتوب فما احتيالي … إذا برز العباد لذي الجلال

وقاموا من قبورهم سكارى … بأوزار كأمثال الجبال

وقد نصب الصراط لكي يجوزوا … فمنهم من يكب على الشمال

ومنهم من يسير لدار عدن … تلقاه العرائس بالغوالي

يقول له المهيمن يا وليي … غفرت لك الذنوب فلا تبالي

وقال آخر:

إذا مدّ الصراط على جحيم … تصول على العصاة وتستطيل

فقوم في الجحيم لهم ثبور … وقوم في الجنان لهم مقيل

وبان الحقّ وانكشف الغطاء … وطال الويل واتصل العويل

وذكر مسلم من حديث أبي هريرة: «فيأتون محمدا فيؤذن لهم وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا فيمر أولهم كالبرق الخاطف». قال: قلت بأبي أنت وأمي وأي شيء كمر البرق؟ قال: «ألم تر إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ ثم كمر الريح، ثم كمر الطير وشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم


(١) لم أقف عليه، ولبعض ألفاظه شواهد قد تقدّمت، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>