الثانية: الإشارة في ذلك إلى أن من طيب قلبه في شأن أعدائه بالإهانة والانتقام، فالأولى أن يطيب قلبه في شأن أوليائه وأحبائه بالتحية والشفاعة والإكرام.
الفائدة الثالثة: ويحتمل أن عرضها عليه ليعلم منّة الله تعالى حين أنقذهم منها ببركته وشفاعته.
الفائدة الرابعة: ويحتمل أنه عرضها عليه ليكون في القيامة إذا قال سائر الأنبياء: نفسي نفسي، فيقول نبينا محمد ﷺ: أمتي أمتي، وذلك حين تسجّر جهنم، ولذلك أمر الله ﷿ محمدا ﷺ فقال جل من قائل: ﴿يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ﴾ [التحريم: ٨] الآية.
قال الحافظ أبو الخطاب: والحكمة في ذلك أن يفرغ إلى شفاعة أمته، ولو لم يؤمّنه لكان مشغولا بنفسه كغيره من الأنبياء.
الفائدة الخامسة: أن سائر الأنبياء لم يروا قبل يوم القيامة شيئا منها، فإذا رأوها جزعوا وكفت ألسنتهم عن الخطيئة والشفاعة من هولها، وشغلهم أنفسهم عن أممهم، وأمان بينا محمد ﷺ فقد رأى جميع ذلك فلا يفزع منه مثل ما فزعوا ليقدر على الخطبة، وهو المقام المحمود الذي وعده به ربه ﵎ في القرآن المجيد، وثبت في صحيح السنة.
الفائدة السادسة: فيه دليل فقهي على أن الجنة والنار خلقتا، خلافا للمعتزلة المنكرين لخلقها، وهو يجري على ظاهر القرآن في قوله تعالى:
الفائدة السابعة: ويحتمل أنه أراه إياها ليعلم خسة الدنيا في جنب ما أراه، فيكون في الدنيا أزهد وعلى شدائدها أصبر، حتى يؤديه إلى الجنة، فقد قيل: حبذا محنة تؤدي بصاحبها إلى الرخاء، وبؤسا لنعمة تردي بصاحبها إلى البلاء.
الفائدة الثامنة: ويحتمل أن الله تعالى أراد ألا يكون لأحد كرامة إلا يكون لمحمد ﷺ مثلها، ولما كان لإدريس ﵇ كرامة الدخول إلى الجنة قبل يوم القيامة، أراد الله تعالى أن يكون ذلك لصفيّه ونجيّه وحبيبه وأمينه على وحيه محمد ﷺ، وكرم وعظم وبجل ووقّر، قال ذلك جميعه الحافظ بن دحية ﵁ في كتاب «الابتهاج في أحاديث المعراج».