للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فازورّ من وقع القنا بلبانه … وشكا إليّ بعبرة وتحمحم

وقال آخر:

شكا إليّ جملي طول السّرى … صبرا جميلي فكلانا مبتلى

والأول أصح؛ إذ لا استحالة في ذلك، وقد قال تعالى - وهو أصدق القائلين -:

﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ﴾ [الأنعام: ٥٧] الآية، وقد تقدم من كلامها: «لا إله إلا الله وعزتك وجلالك» وقال: ﴿كَلاّ إِنَّها لَظى * نَزّاعَةً لِلشَّوى﴾ [المعارج: ١٥، ١٦] الآية، أي: أدبر عن الإيمان، وتولى أي: أعرض عن اتباع الحق، و «جمع» يعني: المال، «فأوعى» أي: جعله في الوعاء؛ أي: كنزه، ولم ينفقه في طاعة الله تعالى. قال ابن عباس: تدعو المنافق والكافر بلسان فصيح، ثم تلتقطهم كما يلتقط الطائر الحبّ.

قلت: قول ابن عباس هذا قد جاء معناه مرفوعا، وهو يدلّ على أن المراد بالشكوى والحجة؛ الحقيقة. ذكر رزين أن رسول الله قال: «من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا» قيل: يا رسول الله؛ ولها عينان؟ قال: أما سمعتم الله يقول: ﴿إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ [الفرقان: ١٢] الآية، يخرج عنق من النار، له عينان تبصران ولسان، فيقول: وكّلت بمن جعل مع الله إلها آخر، فلهو أبصر بهم من الطير بحب السمسم فيلتقطه. في رواية أخرى: «فيخرج عنق من النار فيلتقط الكفار لقط الطائر حبّ السمسم» (١). صححه أبو محمد بن العربي في قبسه، وقال: يفصلهم عن الخلق بالمعرفة كما يفصل الطائر حب السمسم من التربة.

وخرّج الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق؛ يقول: إني وكّلت بثلاث:

بكلّ جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصوّرين» (٢). وفي الباب عن أبي سعيد، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب صحيح.

وذكر ابن وهب قال: حدّثني العلاء بن خالد في قوله الله تعالى: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾ [الفجر: ٢٣] قال: يؤتى بجهنم يوم القيامة يأكل بعضها بعضا، يقودها سبعون ألف ملك، فإذا رأت الناس، وذلك قوله تعالى: ﴿إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ [الفرقان: ١٢] الآية، فإذا رأتهم زفرت زفرة فلا يبقى نبي ولا صدّيق إلا برك لركبتيه، يقول: يا ربّ نفسي نفسي، ويقول رسول الله : أمتي أمتي.


(١) أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (٨ /رقم: ٧٥٩٩) وفي «مسند الشاميين» (٣٤٢٧) بإسناد ضعيف، انظر «مجمع الزوائد» (١/ ١٤٨).
(٢) تقدّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>