اقتحم العقبة، يقول: هلاّ أنفق ماله في فك الرقاب، وإطعام السغبان ليجاوز به العقبة، فيكون خيرا له من إنفاقه في المعاصي؟
وقيل: معنى الكلام، التمثيل والتشبيه، فشبّه عظم الذنوب وثقلها بعقبة، فإذا أعتق رقبة وعمل صالحا كان مثله كمثل من اقتحم العقبة، وهي الذنوب التي تضره وتؤذيه وتثقله، فإذا أزالها بالأعمال الصالحة والتوبة الخالصة، كان كمن اقتحم عقبة يستوي عليها ويجوزها.
قلت: هذا حديث حسن.
قال الحسن: هي والله عقبة شديدة، مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه والشيطان.
وأنشد بعضهم.
إني بليت بأربع يرمينني … بالنّبل قد نصبوا عليّ شراكا
إبليس والدنيا ونفسي والهوى … من أين أرجو بينهن فكاكا
يا ربّ ساعدني بعفو إنني … أصبحت لا أرجو لهن سواكا
وأنشد غيره أيضا في معنى ذلك:
إني بليت بأربع يرمينني … بالنّبل عن قوس لها توتير
إبليس والدنيا ونفسي والهوى … يا ربّ أنت على الخلاص قدير
وقال آخر:
إني بليت بأربع ما سلطوا … إلا لعظم بليتي وشقائي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى … كيف الخلاص وكلهم أعدائي
قال المؤلف ﵀: قال: فمن أطاع مولاه وجاهد نفسه وهواه، وخالف شيطانه ودنياه، كانت الجنة نزله ومأواه، ومن تمادى في غيه وطغيانه وأرخى في الدنيا زمام عصيانه، ووافق نفسه وهواه في مناه ولذاته وأطاع شيطانه في جميع شهواته كانت النار أولى به، قال الله تعالى: ﴿فَأَمّا مَنْ طَغى * وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى * وَأَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى﴾ [النازعات: ٣٧ - ٤١].
ومعنى ﴿فَلا اِقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ [البلد: ١١]: أي: لم يقتحم العقبة، وهذا خبر، أي: أنه لم يفعل، والعرب تقول: لا فعل بمعنى لم يفعل. قال زهير:
وكان طوى كشحا عل مستكنّة … فلا هو أبداها ولم يتقدم
أي: فلم يبدها.