ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة، فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة، ويختطفه عند تلك الدهشة، والعياذ بالله ثم العياذ بالله، أو يكون ممن كان مستقيما ثم يتغير عن حاله ويخرج عن سننه، ويأخذ في طريقه، فيكون ذلك سببا لسوء خاتمته وشؤم عاقبته، كإبليس الذي عبد الله فيما يروى ثمانين ألف سنة، وبلعام بن باعوراء الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها بخلوده إلى الأرض، واتباع هواه، وبرصيصا العابد الذي قال الله في حقه: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اُكْفُرْ﴾ [الحشر: ١٦].
ويروى: أنه كان بمصر رجل ملتزم مسجدا للأذان والصلاة، وعليه بهاء العبادة وأنوار الطاعة، فرقى يوما المنارة على عادته للأذان، وكان تحت المنارة دار لنصراني ذمّي، فاطّلع فيها فرأى ابنة صاحب الدار، فافتتن بها وترك الأذان، ونزل إليها ودخل الدار فقالت له: ما شأنك ما تريد؟ فقال: أنت أريد.
قالت: لماذا؟ قال لها: قد سلبت لبي وأخذت بمجامع قلبي. قالت: لا أجيبك إلى ريبة. قال لها: أتزوج. قالت له: أنت مسلم وأنا نصرانية، وأبي لا يزوجني منك. قال لها: أتنصّر! قالت: إن فعلت أفعل. فتنصّر ليتزوّجها، وأقام معهم في الدار. فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقى إلى سطح كان في الدار فسقط منه فمات، فلا هو فاز بدينه ولا هو فاز بها. فنعوذ بالله ثم نعوذ بالله من سوء العاقبة وسوء الخاتمة.
ويروى أن رجلا علق بشخص وأحبه، فتمنّع عنه واشتدّ نفاره فاشتد كلف البائس إلى أن لزم الفراش، فلم تزل الوسائط تمشي بينهما حتى وعد بأن يعوده، فأخبر بذلك ففرح واشتد فرحه وسروره، وانجلى عنه بعض ما كان يجده، فلما كان في بعض الطريق رجع وقال: والله لا أدخل مداخل الريب، ولا أعرض بنفسي لمواقع التهم فأخبر بذلك البائس المسكين فسقط في يده، ورجع إلى أسوأ ما كان به وبدت علامات الموت وأمارته عليه.
قال الراوي: فسمعته يقول وهو في تلك الحال:
سلام يا راحة العليل … وبرد ذل الدّنف النحيل
رضاك أشهى إلى فؤادي … من رحمة الخالق الجليل!!
قال: فقلت له: يا فلان اتق الله تعالى فقال: قد كان ما كان. فقمت عنه فما جاوزت باب داره حتى سمعت صيحة الموت قد قامت عليه. فنعوذ بالله من سوء العاقبة وشؤم الخاتمة.
قال المؤلف ﵀: روى البخاري عن سالم، عن عبد الله، قال: كان