للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب «التمهيد» (١) هكذا قال: «فتح له من أبواب الجنة»، وذكره أبو داود والنسائي وابن سنجر «فتحت له أبواب الجنة الثمانية»، ليس فيها ذكر «من»؛ فعلى هذا أبواب الجنة ثمانية كما قالوا.

قلت: قد ذكرنا أنها أكثر من ثمانية، وبالله توفيقنا. وأما كون الواو في «وفتحت أبوابها» واو الثمانية، وأن أبواب الجنة كذلك ثمانية أبواب، فقد جاء ما يدل على أنها ليست كذلك في قوله تعالى: ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ﴾ [الحشر: ٢٣]، فخلوّ المتكبر وهو ثامن اسم من الواو يدل على بطلان ذلك القول وتضعيفه. وقد بيناه في سورة براءة والكهف، من كتاب «جامع أحكام القرآن» والحمد لله.

وقد خرّج مسلم، عن خالد بن عمير، قال: خطبنا عتبة بن غزوان، وكان أميرا على البصرة فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الحديث على ما تقدم، وفيه: «ولقد ذكر لنا أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام» (٢) .. الحديث.

وخرّج عن أنس في حديث الشفاعة: «والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرا» (٣).

وخرّج عن سهل بن سعد أن رسول الله قال: «ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف، - لا يدري أبو حازم أيهما قال - متماسكون آخذ بعضهم بعضا، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، ووجوههم على صورة القمر ليلة البدر» (٤).

فهذه الأحاديث مع صحتها تدل على أنها أكثر من الثمانية، إذ هي غير ما تقدم، فيحصل منها والحمد لله على هذا ستة عشر بابا.

وقد ذكر الإمام أبو القاسم عبد الكريم القشيري في كتاب (التحبير) له، وقال رسول الله : «الخلق الحسن طوق من رضوان الله ﷿ في عنق صاحبه، والطوق مشدود إلى سلسلة من الرحمة، والسلسلة مشدودة إلى حلقة باب الجنة، حيث ما ذهب الخلق الحسن جرته السلسلة إلى نفسها تدخله من ذلك الباب إلى الجنة. والخلق السوء طوق من سخط الله في عنق صاحبه، والطوق مشدود إلى سلسلة من عذاب الله، والسلسلة


(١) «التمهيد» (٧/ ١٨٨).
(٢) أخرجه مسلم (٢٩٦٧).
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) أخرجه البخاري (٦٥٥٤) ومسلم (٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>