للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقير إليه فهو عبده، قال رسول الله : «تعس عبد الدينار» (١) الحديث خرجه البخاري وغيره. وقد كتبناه في كتاب «قمع الحرص بالزهد والقناعة ورد ذل السؤال بالكسب والصناعة» وتكلمنا عليه، وبيّناه، والحمد لله، وإنما شرف العبد افتقاره إلى مولاه وعزه وخضوعه له.

وقد أحسن من قال:

وإذا تذلّلت الرقاب تواضعا … منا إليك فعزّ هخا في ذلّها

فالغني المعلّق البال بالمال، الحريص عليه، الراغب فيه، هو الفقير حقيقة، وعادمه الذي يقول ما أبالي به، ولا لي رغبة فيه، وإنما هي ضرورة العيش فإذا وجدتها فغيرها زيادة تشغل عن الإرادة، فهو الغني حقيقة، قال رسول الله :

«ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس» خرّجه مسلم (٢).

وأخذ عثمان بن سعدان الموصلي هذا المعنى فقال:

تقنع بما يكفيك استعمل الرضى … فإنك لا تدري أتصبح أم تمسي

فليس الغنى عن كثرة المال، إنما يكون الغنى والفقر من قبل النفس وقد أشبعنا القول في هذا في كتاب «قمع الحرص».

وقد بقيت هنا درجة ثالثة رفيعة وهي الكفاف التي سألها رسول الله فقال:

«اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» وفي رواية: «كفافا» خرّجه مسلم (٣). ومعلوم أنه لا يسأل إلا أفضل الأحوال، وأسنى المقامات والأعمال، وقد اتفق الجميع على أن ما أحوج من الفقر وما أبطر من الغنى مذموم.

وفي «سنن ابن ماجه» عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : «ما من غنيّ ولا فقير إلا يودّ يوم القيامة أنه أوتي من الدنيا قوتا» (٤).

الكفاف: حالة متوسطة بين الغنى والفقر. وقد قال :

«خير الأمور أوسطها» (٥). فهي حالة سليمة من آفات الغنى المطغي وآفات الفقر المدقع الذي كان يتعوذ منهما النبي ، فكانت أفضل منهما. ثم إن حالة صاحب الكفاف حالة الفقير الذي لا يترفه في طيبات الدنيا ولا في زهرتها، فكانت حاله


(١) أخرجه البخاري (٢٨٧٦، ٢٨٨٧) ومسلم (٦٤٣٥).
(٢) أخرجه البخاري (٦٤٤٦) ومسلم (١٠٥١).
(٣) في «صحيحه» (١٠٥٤، ١٠٥٥).
(٤) أخرجه ابن ماجه (٤١٤٠)، وقال الألباني: «موضوع».
(٥) لا يصح؛ انظر «كشف الخفاء» (١/ ٤٦٩) والمقاصد الحسنة» ص ٢٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>