المسجد الحرام، إذ مرّ بنا شيخ طويل نحيل الجسم، عليه أطمار خلقة، فقام إليه الجلاء ووقف معه ساعة ثم انصرف إلينا، فقال: هل تعرفون من هذا الشيخ؟ فقلنا:
لا. فقال: ابتاع من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة، فلما أكملها رآها في المنام في حليّها وحللها، فقال: لمن أنت؟ فقالت: أنا الحور التي ابتعتني من الله تعالى بأربعة آلاف ختمة، هذا الثمن فما نحلتي أنا منك؟ قال: ألف ختمة. قال الجلا:
فهو يعمل فيها بعد.
وروي عن سحنون أنه قال: كان بمصر رجل يقال له سعيد، وكانت له أم من المتعبّدات، وكانت إذا قام من الليل يصلّي تقوم والدته خلفه، فإذا غلب عليه النوم ونعس تناديه والدته: يا سعيد؛ إنه لا ينام من يخاف النار، ويخطب الحور الحسان، فيقوم مرعوبا.
ويروى عن ثابت أنه قال: كان أبي من القوّامين لله في سواد الليل، قال:
رأيت ذات ليلة في منامي امرأة لا تشبه النساء، فقلت لها: من أنت؟ فقالت:
حوراء أمة الله، فقلت لها: زوّجيني نفسك، فقالت: اخطبني من عند ربي وأمهرني. فقلت: وما مهرك؟ فقالت: طول التهجد.
وأنشدوا:
يا خاطب الحور في خدرها … وطالبا ذاك على قدرها
انهض بجدّ لا تكن وانيا … وجاهد النفس على صبرها
وجانب الناس وارفضهم … وحالف الوحدة في ذكرها
وقم إذا الليل بدا وجهه … وصم نهارا فهو من مهرها
فلو رأت عيناك إقبالها … وقد بدت رمانتا صدرها
وهي تماشي بين أترابها … وعقدها يشرق في نحرها
لهان في نفسك هذا الذي … تراه في دنياك من زهرها
وقال مضر القارئ: غلبني النوم ليلة فنمت عن حزبي، فرأيت في منامي فيما يرى النائم جارية كأن وجهها القمر المستتم، ومعها رقّ؛ فقالت: أتقرأ أيها الشيخ؟ قلت: نعم، فقالت: اقرأ هذا الكتاب، ففتحته فإذا فيه مكتوب، فو الله ما ذكرته قط إلا ذهب عني النوم:
ألهتك اللذائذ والأماني … عن الفردوس والظلل الدواني
ولذّة نومة عن خير عيش … مع الخيرات في غرف الجنان
تيقّظ من منامك إن خيرا … من النوم التهجد بالقرآن