للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدل على صحة هذا ما خرّجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال:

قال رسول الله : «والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيما قتل، ولا المقتول فيما قتل». فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال:

«الهرج؛ القاتل والمقتول في النار» (١).

فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهالة من طلب الدنيا أو اتباع هوى كان القاتل والمقتول في النار، فأما قتال يكون على تأويل ديني فلا، وأما أصحاب محمد ورضي عنهم فيجب على المسلمين توقيرهم والإمساك عن ذكر زللهم ونشر محاسنهم، لثناء الله ﷿ عليهم في كتابه فقال - وقوله الحق -: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ [الفتح: ١٨] وقال: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: ٢٩] إلى آخر السورة، وقال: ﴿لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ﴾ [الحديد: ١٠].

وكل من ذهب منهم إلى تأويل فهو معذور، وإن كان بعضهم أفضل من بعض وأكثر سوابق.

وقيل: إن من توقّف من الصحابة حملوا الأحاديث الواردة بالكفّ على عمومها فاجتنبوا جميع ما وقع بين الصحابة من الخلاف والقتال، وربما ندم بعضهم على ترك ذلك كعبد الله بن عمر فإنه ندم على تخلّفه عن نصرة علي بن أبي طالب فقال عند موته: ما آسى على شيء ما آسى على تركي قتال الفئة الباغية، يعني فئة معاوية، وهذا هو الصحيح؛ أن الفئة الباغية إذا علم منها البغي قوتلت. قال عبد الرحمن بن أبزى: شهدنا صفّين مع علي في ثمان مائة ممن بايع بيعة الرضوان قتل منهم ثلاث وستون منهم عمار بن ياسر.

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: شهدنا مع عليّ صفين فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد يتبعونه كأنه علم لهم. قال: وسمعته يقول يومئذ لهاشم بن عتبة: يا هاشم تقدّم؛ الجنة تحت الأبارقة، اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا شعفات الجبال لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل، ثم قال:

نحن ضربناكم على تنزيله … فاليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل إلهام عن مقيله … ويذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحقّ إلى سبيله


(١) أخرجه مسلم (٢٩٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>