للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فظاهر هذا أن ذلك المقام كان من بعد العصر لا قبل ذلك، وهذا تعارض فيجوز أن يكون ذلك كله في يومين، فيوم خطب فيه من بعد العصر، ويوم قام فيه خطيبا كله، ويجوز أن تكون الخطبة من بعد صلاة الصبح إلى غروب الشمس، كما في حديث أبي زيد، واقتصر بعض الرواة في الذكر على ما بعد العصر كما في حديث أبي سعيد الخدري، وفيه بعد، والله أعلم.

وقوله: «حتى ذكر فتنة الأحلاس» قال الخطابي: إنما أضيفت الفتنة إلى الأحلاس لدوامها وطول لبثها، يقال؛ للرجل إذا كان يلزم بيته لا يبرح منه: هو حلس بيته. ويحتمل أن تسمى هذه الفتنة بالأحلاص لسوادها وظلمتها. والحرب:

ذهاب الأهل والمال، يقال: حرب الرجل فهو حريب إذا سلب أهله وماله، ومن هذا المعنى أخذ لفظ الحرب لأن فيها ذهاب النفوس والأموال والله أعلم.

والدخن الدخان؛ يريد أنها تثور كالدخان من تحت قدميه. وقوله: «كورك على ضلع» مثل، ومعناه: الأمر الذي لا يثبت ولا يستقيم، يريد أن هذه الرجل غير خليق بالملك. والدهيماء: تصغير الدهماء على معنى المذمة لها والتعظيم لأمرها، كما قال:

دويهية تصفرّ منها الأنامل

أي: هذه الفتنة سوداء مظلمة.

ودلّت أحاديث هذا الباب على أن الصحابة كان عندهم من علم الكوائن إلى يوم القيامة العلم الكثير لكن لم يشيعوها إذ ليست من أحاديث الأحكام، وما كان فيه شيء من ذلك حدّثوا به وتقصّووا عنه.

وقد روى البخاري عن أبي هريرة قال: حفظت من رسول الله وعاءين أما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم (١).

قال أبو عبد الله: البلعوم مجرى الطعام، والفسطاط: الخيمة الكبيرة، وتسمى مدينة مصر الفسطاط، والمراد به في هذا الحديث: الفرقة المجتمعة المنحازة عن الفرقة الأخرى، تشبيها بانفراد الخيمة عن الأخرى، وتشبيها بانفراد المدينة عن الأخرى، حملا على تسمية مصر بالفسطاط، والله أعلم.

***


(١) أخرجه البخاري (١٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>