للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتلاها في النار، أي: ترميهم فيها لاقتتالهم على الدنيا واتباع الشيطان والهوى، وقتلاها بدل من قوله: العرب، هذا المعنى الذي ظهر لي في هذا، ولم أقف فيه على شيء لغيري الله أعلم.

وقوله: «اللسان فيها أشد من وقع السيف»، أي: بالكذب عند أئمة الجور، ونقل الأخبار إليهم، فربما ينشأ عن ذلك من النهب والقتل والجلد والمفاسد العظيمة أكثر مما ينشأ من وقوع الفتنة نفسها.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله يقول: «إن العبد ليتكلم بالكلمة يتزلزل بها في النار بعد ما بين المشرق والمغرب». وفي رواية عنه قال:

قال رسول الله : «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب» (١) لفظ مسلم.

وقد روي: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالا يهوي بها في النار سبعين خريفا» (٢) فقوله: من سخط الله أي مما يسخط الله وذلك بأن يكون كذبة أو بهتانا أو بخسا أو باطلا يضحك به الناس، كما جاء عن النبي أنه قال: «ويل للذي يتكلم بالكلمة من الكذب ليضحك الناس ويل له وويل له» (٣).

وفي حديث ابن مسعود: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من الرفاهية من سخط الله ترديه بعد ما بين السماء والأرض». قال أبو زياد الكلابي: الرفاهية: السعة في المعاش، والخصب وهذا أصل الرفاهية، فأراد عبد الله؛ أن يتكلم بالكلمة في تلك الرفاهية والأتراف في دنياه مستهينا بها لما هو فيه من النعمة، فيسخط الله ﷿ عليه. قال أبو عبيدة.

وفي الرفاهية لغة أخرى الرفاعية؛ وليس في هذا الحديث، يقال هو في رفاهية ورفاعية من العيش.

وقوله: «صماء بكماء عمياء» يريد: أن هذه الفتنة لا تسمع ولا تبصر فلا تقلع ولا ترتفع، لأنها لا حواس لها فترعوي إلى الحق، وأنه شبهها لاختلاطها، وقتل البريء فيها والسقيم بالأعمى الأصم الأخرس الذي لا يهتدي إلى شيء، فهو يخبط عشواء. والبكم: الخرس في أصل الخلقة، والصمم: الطرش.

***


(١) أخرجه البخاري (٦٤٧٧) ومسلم (٢٩٨٨).
(٢) أخرجه أحمد (٢/ ٣٥٥) وانظر «الصحيحة» (٢/ ٧٨).
(٣) أخرجه أحمد (٥/ ٧) وأبو داود (٤٩٩٠) والترمذي (٢٣١٥)، وهو صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>