من في هذه البلاد من العلماء والأعيان، واستباحوا قتل النساء وذبح الولدان، ثم وصلوا إلى العراق الثاني وأعظم مدنه مدينة أصبهان، ودور سورها أربعون ألف ذراع في غاية الارتفاع والإتقان، وأهلها مشتغلون بعلم الحديث فحفظهم الله بهذا الشأن، وكفّ كفّ الكفر عنهم بأيمان الإيمان، وأنزل عليهم مواد التأييد والإحسان، فتلقوهم بصدور هي في الحقيقة صدور الشجعان، وحققوا الخبر بأنها بلد الفرسان، واجتمع فيها مائة ألف ألف إنسان، وخرجوا إليهم كأسد ولكن غاباتها عوامل الخرصان، وقد لبسوا البياض كثغور الأقحوان، وعليهم دروع فضفاضة في صفاء الغدران، وهيئت للمجاهدين درجات الجنان، وأعدت للكافرين دركات النيران، وبرز إلى الططر القتل في مضاجعهم وساقهم القدر المحتوم إلى مصارعهم فمرقوا عن أصبهان، مروق السهم من الرمي.
وأنشدوا:
إلى الوادي فطمّ على القرى ففرّوا … منهم فرار الشيطان يوم بدر له حصاص
ورأوا أنهم إن وقفوا لم يكن لهم من الهلاك محاص، وواصلوا السير بالسرى وهدوا من همدان الوهاد والذرى، بعد أن قامت الحرب على ساق والأرواح في مساق من ذبح مثله وضرب الأعناق، وصعدوا جبل أروند فقتلوا من فيه من جموع صلحاء المسلمين، وخربوا ما فيه من الجنات والبساتين، وانتهكوا منهم ومن نسائهم حرمات الدين، وكانت استطالتهم على مقدار ثلثي بلاد المشرق الأعلى، وقتلوا فيها من الخلائق ما لا يحصى، وقتلوا في العراق الثاني عدة تقرب أن يستقصي، وربطوا خيولهم في سواري المساجد والجوامع، كما جاء في الحديث المنذر لخروجهم الشارع، الجامع وأوغلوا في بلاد المشرق أي إيغال، وقادوا الجيوش إليها مقادة أبي رغال، في كلام له إلى أن قال: وقطعوا السبل، وأخافوها وجاسوا خلال الديار، وطافوها وملئوا قلوب المؤمنين رعبا، وسحبوا ذيل الغلبة على تلك البلاد سحبا، وحكموا سيوفهم في رقاب أهلها وأطلقوا يد التخريب في وعرها وسهلها، ولا شك أنهم هم المنذر بهم في الحديث، وأن لهم ثلاث خرجات يصطلمون في الآخرة منها.
قال المؤلف ﵀: فقد كملت بحمد الله خرجاتهم ولم يبق إلا قتلهم وقتالهم، فخرجوا على العراق الأول، والثاني كما ذكرناه، وخرجوا في هذا الوقت على العراق الثالث بغداد وما اتصل بها من البلاد، وقتلوا جميع من كان فيها من الملوك والعلماء والفضلاء والعباد، وحصروا ميّافارقين، واستباحوا جميع من فيها من الملوك والمسلمين، وعبروا الفرات إلى أن وصلوا إلى مدينة حلب، فخربوها