للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرعاة في اللغة: جمع راع، وضرب رسول الله بهذا مثلا لوالي السوء؛ لأن الحطمة هو الذي يعنف بالإبل في السوق والإيراد والإصدار، فيحطمها أي: يكسرها ولا يكاد يسلم من فساده شيء، وسوّاق حطم كذلك يعنف في سوقه.

وقوله: «حتى تخرج نار من أرض الحجاز»؛ فقد خرجت نار عظيمة وكان بدؤها زلزلة عظيمة، وذلك ليلة الأربعاء بعد العتمة الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت، وظهرت النار بقرطبة عند قاع التنعيم بطرف الحرة يحيط بها ثري في صورة البلد العظيم، كأعظم ما يكون البلدان، عليها سور يحيط بها عليه شرافات كشرافات الحصون، وأبراج ومآذن ويرى رجال يقودونها لا تمرّ على جبل إلا دكّته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك نهر أحمر ونهر أزرق له دويّ كدويّ الرعد، يأخذ الصخور والجبال بين يديه وينتهي إلى البحرة محط الركب العراقي، فاجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم وانتهت النار إلى قرب المدينة، وكان يلي المدينة ببركة النبي نسيم بارد، ويشاهد من هذه النار غليان كغليان البحر، وانتهت إلى قرية من قرى اليمن فأحرقتها. قال لي بعض أصحابنا. ولقد رأيتها صاعدة في الهواء من جحر مسيرة خمسة أيام من المدينة.

قلت: وسمعت أنها رئيت من مكة ومن جبال بصرى من بعد هذه النار أخرى أرضية بحرم المدينة أحرقت جميع الحرم، حتى إنها أذابت الرصاص التي عليها العمد فوقعت ولم يبق غير السور واقفا، ونشأ بعد ذلك أخذ بغداد بتغلب التتر عليها، فقتل من كان فيها وسباه، وذلك عمود الإسلام وماؤه، فانتشر الخوف وعظم الكرب وعمّ الرّعب، وكثر الحزن، فانتشر التتر في البلاد وبقي الناس حيارى سكارى بغير خليفة ولا إمام، ولا قضاء، فزادت المحنة وعظمت الفتنة.

لو لم يتدارك الله سبحانه بالعفو والفضل والمنة. أما قوله: «وستخرج نار من حضرموت أو من نحو حضرموت قبل القيامة» فلعلها النار التي جاء ذكرها في حديث حذيفة. قال: قال رسول الله : «لتقصدنكم اليوم نار هي اليوم خامدة في واد يقال له برهوت، يغشى الناس فيها عذاب أليم، تأكل الأنفس والأموال، تدور الدنيا كلها في ثمانية أيام، تطير طير الريح والسحاب، حرّها بالليل أشد من حرها بالنهار، ولها بين الأرض والسماء دويّ كدوي الرعد القاصف، هي من رؤوس الخلائق أدنى من العرش».

قلت: يا رسول الله؛ هي يومئذ على المؤمنين والمؤمنات؟ قال: «وأين المؤمنون والمؤمنات يومئذ؟ هم شر من الحمر، يتسافدون كما تتسافد البهائم، وليس فيهم رجل

<<  <  ج: ص:  >  >>