للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرجه الترمذي، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء قال: كنا مع رسول الله فشخص ببصره إلى السماء، ثم قال: «هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا على شيء منه» فقال زياد بن لبيد الأنصاري: كيف يختلس منا ونحن قد قرأنا القرآن؟ فو الله لنقرأه ولنقرئه نساءنا وأبناءنا، فقال: «ثكلتك أمك يا زياد إن كنت لأعدك من فقهاء المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم»؟

قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت، فقلت: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء، قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع؛ يوشك أن يدخل الرجل مسجد جماعة فلا يرى فيه رجلا خاشعا (١).

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، ومعاوية بن صالح ثقة عند أهل الحديث، ولا أعلم أحدا تكلّم فيه غير يحيى بن سعيد القطان.

وروى بعضهم هذا الحديث عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك، عن النبي .

قال المؤلف : خرجه بهذا الإسناد الحافظ أبو محمد عبد الغني، فقال: حدّثنا عبد الله بن جعفر بن الورد، قال: حدّثنا يحيى بن أيوب، حدّثنا يحيى بن بكير، قال حدّثنا الليث، قال: حدّثني إبراهيم بن أبي عبلة، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير، قال: حدّثني عوف بن مالك الأشجعي، قال: نظر رسول الله إلى السماء يوما، وقال: «هذا أوان رفع العلم» فقال له رجل من الأنصار، يقال له زياد بن لبيد: يا رسول الله؛ وكيف يرفع العلم وقد كتب في الكتب ووعته الصدور؟ فقال رسول الله : «إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة» وذكر اليهود والنصارى وضلالتهم على ما في أيديهم من كتاب الله، فذكرت ذلك لشداد بن أوس فقال: صدق عوف بن مالك. ألا أخبرك بأول ذلك: يرفع الخشوع حتى لا ترى رجلا خاشعا. ذكره في باب تقييد الحديث بالكتابة، وهو حديث حسن.

قلت؛ وقد ذكرناه في مسند زياد بن لبيد بإسناد صحيح، على ما ذكره ابن ماجه، وهو يبين لك ما ذكرناه من أن المقصود برفع العلم العمل به كما قال عبد الله ابن مسعود: «ليس حفظ القرآن بحفظ الحروف ولكن إقامة حدوده» ثم بعد رفع العمل بالعلم يرفع الرّقم والكتابة، ولا يبقى في الأرض من القرآن آية تتلى، على ما يأتي في الباب بعد هذا.

وقد خرّج الدارقطني وابن ماجه، من حديث أبي هريرة أن رسول الله


(١) أخرجه الترمذي (٢٦٥٤)، وضعّفه الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>