للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عمر بن عبد البر: ففي هذا الحديث أعور العين الشمال، وفي حديث مالك أعور العين اليمنى، فالله أعلم. وحديث مالك أصح من جهة الإسناد. لم يزد على هذا.

قال أبو الخطاب ابن دحية: ليس كما قال، بل الطرق كلها صحيحة في العينين.

وقال شيخنا أحمد بن عمر في كتاب «المفهم» له: «وهذا اختلاف يصعب الجمع فيه بينهما، وقد تكلّف القاضي عياض الجمع بينهما، فقال: الجمع بين الروايتين عندي صحيح؛ وهو أن كل واحدة منهما عوراء من وجه ما، إذ العور حقيقة في كل شيء العيب، والكلمة العوراء: هي المعيبة، فالواحدة عوراء بالحقيقة، وهي التي وصفت في الحديث بأنها ليست بجحراء ولا ناتئة، وممسوحة ومطموسة، وطافئة على رواية الهمز، والأخرى عوراء لعيبها اللازم لها لكونها جاحظة، أو كأنها كوكب دري، أو كأنها عنبة طافية بغير همزة، وكل واحدة منهما يصح فيها الوصف بالعور بحقيقة العرف والاستعمال، أو بمعنى العور الأصلي [الذي هو العيب] (١). قال شيخنا: وحاصل كلامه؛ أن كل واحدة من عيني الدجال عوراء إحداهما بما أصابها حتى ذهب إدراكها، والثانية عوراء بأصل خلقتها معيبة، لكن يبعد هذا التأويل أن كل واحدة من عينيه قد جاء وصفها في الرواية بمثل ما وصفت به الأخرى من العور فتأمله» (٢).

قلت: ما قاله القاضي عياض وتأوّله صحيح، وأن العور في العينين مختلف كما بيناه في الروايات؛ فإن قوله: «كأنها لم تخلق» وهو معنى الرواية الأخرى: «مطموس العين ممسوخها، ليست بناتئة ولا جحراء». ووصف الأخرى بالمزج بالدم، وذلك عيب عظيم لا سيما مع وصفها بالظفرة الغليظة التي هي عليها، وهي جلدة غليظة تغشى العين. وعلى هذا فقد يكون العور في العينين سواء، لأن الظفرة مع غلظها تمنع من الإدراك، فلا تبصر شيئا، فيكون الدجال على هذا أعمى أو قريبا منه، إلا أنه جاء ذكر الظفرة في العين اليمنى في حديث سفينة وفي الشمال في حديث سمرة بن جندب.

وقد يحتمل أن يكون كل عين عليها ظفرة غليظة، فإن في حديث حذيفة: «وإن الدجال ممسوخ العين عليها ظفرة غليظة»، وإذا كانت الممسوخة المطموسة عليها ظفرة فالتي ليست كذلك أولى، فتتفق الأحاديث، والله أعلم.

وقيل في الظفرة: إنها لحمة تنبت عند المآقي كالعلقة، وقيّده بعض الرواة بضم الظاء وسكون الفاء، وليس بشيء، قاله ابن دحية .


(١) زيادة من «المفهم».
(٢) «المفهم» (٧/ ٢٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>