للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

..............................................................................................

ــ

الهمام من أن المراد بالجملة الثانية التمكين من الوطء والتذكير باعتبار الشخص أي لا تمكن المحرمة من الوطء زوجها فلا يخفى ما فيه من التكلف والتعسف، على أنه ينافيه قوله ((ولا يخطب)) وهي القرينة الثانية الدالة على المراد بالنكاح في الجملتين الأوليين عقد النكاح لا الوطء، لأن المراد بالخطبة هي خطبة المرأة التي هي طلب تزويجها، وذلك دليل على أن المراد العقد لأنه هو الذي يطلب بالخطبة، وليس من شأن وطء الزوجة أن يطلب بخطبة كما هو معلوم، قال الحافظ: تأويل أهل الكوفة حديث عثمان بأن المراد به الوطء متعقب بالتصريح فيه بقوله ((ولا ينكح)) بضم أوله وبقوله فيه ((ولا يخطب)) وثانيًا أن أبان بن عثمان راوي الحديث وهو من أعلم الناس بمعناه فسره بأن المراد بقوله ((ولا ينكح)) أي لا يزوج لأن السبب الذي أورد فيه الحديث هو أنه أرسل له عمر بن عبيد الله حين أراد أن يزوج ابنه طلحة بن عمر ابنة شيبة بن جبير فأنكر عليه ذلك أشد الإنكار وبين له أن حديث عثمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل على منع عقد النكاح في حال الإحرام ولم يعلم أنه أنكر عليه أحد تفسيره الحديث بأن المراد بالنكاح فيه العقد لا الوطء، وثالثًا أنه روى أحمد من حديث ابن عمر أنه سئل عن امرأة أراد أن يتزوجها رجل وهو خارج من مكة فأراد أن يعتمر أو يحج فقال: لا تتزوجها وأنت محرم، نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه. فنراه صرح بأن النكاح المنهي عنه في الإحرام التزويج، وروى مالك والبيهقي والدارقطني عن أبي غطفان بن طريف أن أباه طريفًا تزوج امرأة وهو محرم فرد عمر بن الخطاب نكاحه – انتهى. وهذا دليل على أن عمر يفسر النكاح الممنوع في الإحرام بالتزويج. وقد روى البيهقي في السنن الكبرى بإسناده عن الحسن عن علي قال: من تزوج وهو محرم نزعنا منه امرأته، وروى بإسناده أيضًا عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليًا رضي الله عنه قال: لا ينكح المحرم فإن نكح رد نكاحه، وروى بإسناده أيضًا عن شوذب مولى زيد بن ثابت أنه تزوج وهو محرم ففرق بينهما زيد بن ثابت، وروى بإسناده أيضًا عن سعيد بن المسيب أن رجلاً تزوج وهو محرم فأجمع أهل المدينة على أن يفرق بينهما. وقال الحافظ: قد ثبت أن عمر وعليًا وغيرهما من الصحابة فرقوا بين محرم نكح وبين امرأته ولا يكون هذا إلا عن ثبت – انتهى. فهذه الآثار صريحة في أن النكاح المنهي عنه في الإحرام هو التزويج وأن النهي للتحريم، وحمل هذه الآثار على أن عملهم ذلك كان من قبيل الزجر والتعزير سدًا للذرائع بعيد جدًا بل هو باطل. ومن الوجوه التي أجاب بها القائلون بجواز النكاح في الإحرام أن النهي في حديث عثمان للكراهة وأن المراد منه أن النكاح والخطبة ليست من شأن المحرم فإنه في شغل شاغل عن ذلك، قال التوربشتي: قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك كف المحرم وتفتير رغبته عن النكاح والإنكاح والخطبة لكونها مدعاة إلى هيجان الشهوة ولم يقصد تحريمه، وقال الشيخ محمد عابد السندي: الأولى أن يقال: النهى للكراهة جمعًا بين الدلائل، وذلك لأن المحرم في شغل عن مباشرة عقود الأنكحة، لأن ذلك يوجب شغل خاطره عما هو بصدده من المناسك فكرهه النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك، وإنما قلنا أنه الأولى لأنه لا قائل بعدم جواز الخطبة للمحرم (كما تقدم)

<<  <  ج: ص:  >  >>