للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

.............................................................................................

ــ

بعض أهل اللغة منهم الأصمعي: إن معنى قول الراعي ((محرمًا)) في بيته المذكور: كونه حرمة الإسلام وذمته التي يجب حفظها ويحرم انتهاكها، وأنه لم يحل من نفسه شيئًا يستوجب به القتل، ومن إطلاق المحرم على هذا المعنى الأخير قول عدى بن زيد:

قتلوا كسرى محرمًا _ ... غادروه لم يمتع بكفن

ويروى ((فتولى ولم يمتع بكفن)) يريد قتل شيرويه أباه أبرويز بن هرمز مع أن له حرمة العهد الذي عاهدوه به حين ملكوه عليهم وحرمة الأبوة ولم يفعل لهم شيئًا يستوجب منهم القتل، وذلك هو مراده بقوله ((محرمًا)) وعلى تفسير قول ابن عباس ((وهو محرم)) بما ذكر فلا تعارض بين حديث ابن عباس وبين حديث ميمونة وأبي رافع، وتعقب هذا الجواب بأن رواية البخاري في باب عمرة القضاء بلفظ أنه - صلى الله عليه وسلم - تزوجها وهو محرم وبنى بها وهو حلال، تدفع هذا التفسير أو تبعده كما قال الزيلعي، فإن المقابلة بين المحرم والحلال تدل على أن المراد بالمحرم في قول ابن عباس ضد الحلال، ولم يرد الحلال بمعنى الداخل في الحل أو في الشهر الحرام، وفيه أنه لو فرضنا أن تفسير حديث ابن عباس بما ذكر ليس بمتعبن وليس بظاهر كل الظهور وأن التعارض بين الحديثين باق فالمصير إلى الترجيح إذن واجب وهو الجواب الثالث فيقال: حديث ميمونة وأبي رافع أرجح من حديث ابن عباس، لأن ميمونة هي صاحبة الواقعة، ولا شك أن صاحب القصة أدرى بما جرى له في نفسه من غيره، وقد تقرر في الأصول أن خبر صاحب القصة المروية مقدم على خبر غيره، لأنه أعرف بالحال من غيره والأصولين يمثلون له بحديث ميمونة المذكور مع حديث ابن عباس ومما يرجح به حديث أبي رافع على حديث ابن عباس أن أبا رافع هو رسوله إليها يخطبها عليه فهو مباشر للواقعة وابن عباس ليس كذلك وقد تقرر في الأصول ترجيح خبر الراوي المباشر لما روى على خبر غيره، لأن المباشر لما روى أعرف بحاله من غيره، والأصولين يمثلون له بخبر أبي رافع مع حديث ابن عباس، ومما يرجح به حديث ميمونة وحديث أبي رافع معًا على حديث ابن عباس أن ميمونة وأبا رافع كانا بالغيْن وقت تحمل الحديث المذكور وابن عباس ليس ببالغ وقت التحمل، وقد تقرر في الأصول ترجيح خبر الراوي المتحمل بعد البلوغ على المتحمل قبله لأن البالغ أضبط من الصبي بما تحمل، وللاختلاف في قبول خبر المتحمل قبل البلوغ مع الاتفاق على قبول خبر المتحمل بعد البلوغ وإن كان الراجح قبول خبر المتحمل قبل البلوغ إذا كان الأداء بعد البلوغ لأن المتفق عليه أرجح من المختلف فيه، فإن قيل: يرجح حديث ابن عباس بأنه اتفق عليه الشيخان في صحيحهما ومعلوم أن ما اتفق عليه مسلم والبخاري أرجح مما انفرد به مسلم وهو حديث ميمونة، وأرجح مما أخرجه الترمذي وأحمد وهو حديث أبي رافع، فالجواب أن غاية ما يفيده اتفاق الشيخين على صحة الحديث إلى ابن عباس، ونحن لو جزمنا بأنه قاله قطعًالم يمنع ذلك من ترجيح حديث ميمونة وأبي رافع عليه لأنهما أعلم بحال الواقعة منه لأن ميمونة صاحبة الواقعة وأبو رافع

<<  <  ج: ص:  >  >>