أدلة العقائد مبسوطة في القرآن العظيم بغاية البيان، ونهاية التيسير. وأدلة الأحكام أصولها مذكورة كلها فيه، وبيانها وتفاصيلها في سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الذي أرسل ليبيّن للناس ما نزل إليهم.
فحق على أهل العلم أن يقوموا بتعليم العامة لعقائدها الدينية، وأدلة تلك العقائد من القرآن العظيم؛ إذ يجب على كل مكلف أن يكون في كل عقيدة من عقائده الدينية على علم. ولن يجد العامي الأدلة لعقائد سهلة قريبة إلاّ في كتاب الله، فهو الذي يجب على أهل العلم أن يرجعوا في تعليم العقائد للمسلمين إليه.
أما الإعراض عن أدلة القرآن والذهاب مع أدلة المتكلمين الصعبة ذات العبارات الاصطلاحية، فإنه من الهجر لكتاب الله وتصعيب طريق العلم إلى عباده وهم في أشد الحاجة إليه.
لقد كان من نتيجة هذا ما نراه اليوم في عامة المسلمين من الجهل بعقائد الإسلام وحقائقه.
ومما ينبغي لأهل العلم أيضاً- إذا أفتوا أو أرشدوا- أن يذكروا أدلة القرآن والسنة لفتاويهم ومواعظهم، ليقربوا المسلمين إلى أصل دينهم ويذيقوهم حلاوته، ويعرفوهم منزلته، ويجعلوه منهم دائما على ذكر، وينيلوهم العلم والحكمة من قريب، ويكون لفتواهم ومواعظهم رسوخ في القلوب، وأثر في النفوس.
فإلى القرآن والسنة- أيها العلماء- إن كنتم للخير تريدون.
[الفرع الثالث]
المجتهد إذا أفتى مستنداً إلى ما يفيد الظن من أخبار الآحاد، أو الأقيسة أو النصوص الأخرى الظنية الدلالة- هل هو متبع لغير العلم؟
الجواب لا؛ بل هو متبع العلم، وذلك من ثلاثة وجوه:
الأول: أن كل دليل يكون ظنياً بمفرده- يصير يقيناً إذا عرض على كليات الشرع ومقاصده، وشهدت له الصواب، وهذا هو شأن المجتهدين في الأدلة الفردية.
الوجه الثاني: أن المجتهد يعتمد في الأخذ بالأدلة الظنية لما له من العلم بالأدلة الشرعية الدالة على اعتبارها.
الوجه الثالث: أن تلك الأدلة بمفردها تفيد الظن القوي، الذي يكون جزماً ويسمى- كما تقدم- علماً، فما اتبع المجتهد إلاّ العلم.