للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكل دليل من أدلة الشريعة فإنه يرجع إلى هذين الأصلين، ولا يقبل إلاّ إذا قبلاه ودلا عليه.

وكل شيء ينسب للإسلام، ولا أصل له فيهما، فهو مردود على قائله. وقد قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (١).

[الإسلام دين العز والرحمة]

ذكر من أسمائه تعالى في هذا الموطن {الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}، للتنبيه على أن هذا الدين الذي نزله الرب الموصوف بالعزة والرحمة، هو دين عزة ورحمة.

ومن مقتضى العزة القوة والمنعة والرفعة، ومن مقتضى الرحمة الفضل والخير والمصلحة، وهذه كلها متجلية في أحكام الإسلام.

والعدل والإحسان اللذان أمر الله بهما وانبنت أحكام الإسلام عليهما لا يكونان إلاّ عن العزة والرحمة فالذليل لا ينهض بالحكم، ولا يقيم ميزان العدل، والقاسي لا يكون منه إحسان.

[إهتداء واقتداء]

فالمسلم المتحقق بالإسم المهتدي بهدايته، لا يكون إلاّ عزيزا رحيماً.

فالذلة من المسلم نقص في إسلامه، والقساوة مثلها نقص فيه.

وقد ذكر الله تعالى سادات المسلمين في عزتهم فقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: ٣٩]. وذكرهم في رحمتهم فقال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩]. ونعم القدوة هم لجميع المسلمين.

[النذارة ثمرة الرسالة]

كان من المرسلين (٢) لينذر الغافلين. فالأول كمال، والثاني تكميل.

وقد فطر الله رسله- عليهم الصلاة والسلام- على الرحمة وحب الخير؛ فكانوا أحرص الناس على نجاة الناس وكمالهم وسعادتهم، فصبروا على تكذيبهم وإذايتهم، حتى أدوا أمانة الله إليهم، وأقاموا حجته عليهم، وكان الله ينجيهم ومن آمن بهم، وينزل عقوبته بالمكذبين لهم، وينصرهم عليهم؛ فأعلم محمداً -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، بأنه من المرسلين لينذر- ليتأسى بهم، ويصبر صبرهم، ويرجو من نصر الله له وإهلاك أعدائه ما كان منه تعالى لهم.


(١) أخرجه من حديث عائشة البخاري في الصلح باب ٥، ومسلم في الأقضية حديث ١٧ و١٨، وأبو داود في السنة باب ٥، وابن ماجة في المقدمة باب ٢، وأحمد في المسند (٦/ ١٤٦) وأخرجه البخاري أيضاً تعليقا في الاعتصام في ترجمة الباب ٢٠؛ والبيوع في ترجمة الباب ٦٠.
(٢) في قوله تعالى: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} الآية ٣ من سورة يس.

<<  <   >  >>