[المستعاذ منه]
المستعاذ منه تارة يوسوس للإنسان بما يفسد عليه صلته بربه، وتارة بما يفسد عليه تدبيره وما شرع له لمنفعته وصلاحه، وتارة بما يفسد عليه عبوديته له وهي أشرف علائقه به وأقوى صلاته. وجماع ذلك أن يبعده عن الله بالوسوسة بواحدة من هذه أو بكلها، وبما يتفرع عنها مما تضمنته الآيات المبينة لأفعال أصل هذه القوة الموسوسة.
مثل قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: ٢٦٨].
أو لذلك الشأن الجاري مجرى الحوار بين إبليس وبين خالقه، كقوله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: ٨٢].
وكقوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٦٢].
وكقوله: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: ١١٩].
فهو جاهد في أن يبعد الناس عن الله؛ بإفساد العقيدة الصحيحة فيه أو بالصرف عن شرع الله، أو بالحمل على عبادة غيره، فلذلك كله جاء الترتيب على هذا النمط المذكور بتلك العلائق القوية التي يريد الشيطان أن يقطعها.
و (الرب) رب الناس وغيرهم، بل رب العالمين. وإنما خص الناس بالذكر:
١ - لأنهم هم هدفه ومرمى وسوسته، ولأنهم هم المأمورون بالاستعاذة منه، ولأن عالم التكليف أشرف، فإليهم يوجه الخطاب، وإليهم يساق التحذير.
وهذه الوسوسة نتيجة للعداوة بين أصليهما؛ فأمر الله بالاستعاذة منها هو تصليح إلهي لبني آدم، لتثبيت سنة التعمير التي هي حكمة الله من وجودهم.
٢ - ونكتة أخرى في تخصيص الناس بالذكر دون بقية أفراد المربوبين، وهي أنهم هم الذين ينطبق عليهم ناموس الهداية والضلال.
وقد ضلوا بالفعل في ربوبية الله وفي ألوهيته:
ضلوا في الربوبية باتخاذ المشرعين، ليشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، ويصدونهم بذلك عما شرع الله.
وضلوا في الألوهية بعبادة غير الله بما لا يعبد به أحد غيره كالدعاء.
واختير لفظ الناس، من بين الألفاظ المشاركة له في الدلالة كالبشر والبرية، لأنه ينوس ويضطرب وينساق. وهي صفات يلزمها التوجه، ويسهل التوجيه، فلا غنى لصاحبها عن توفيق