فعليه أبداً أن يتعلم، وأن يطلب المزيد، ولذا أمر الله نبيه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وهو المعلم الأعظم- أن يطلب من الله- وهو الذي علمه ما لم يكن يعلم- أن يزيده علماً فقال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١٤].
[تحذير واقتداء]
ما أكثر ما رأينا من قطعهم ما حصلوا عليه من علم، عن العلم؛ فوقف بهم عند ما انتهوا إليه، [[فجمدوا]] وأكسبهم الغرور بما عندهم، فتعظموا وتكلموا فيما لم يعلموا، فضلوا وأضلوا، وكانوا على أنفسهم وعلى الناس شر فتنة وأعظم بلاء.
فبمثل هذه الآية الكريمة يداوي نفسه من ابتلى بهذا المرض، فيقلع عن جموده وغروره، ويزداد مما ليس عنده علم ما لم يعلم. ويحذر من أن يقف على طلب العلم ما دام فيه زمن من الحياة ويقتدي بهذا النبي الكريم- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فلن يزال يطلب من الله تعالى أن يزيده علمًا (١) بما ييسر له من خزائن رحمته، وما يلقيه في قلبه من نور، وما يجعل له من فرقان، وما يوفقه الله إليه من أصل ذلك كله، وهو تقوى الله، والعمل بما علمه.
نسأل الله لنا والمسلمين العلم النافع، والعمل الصالح. فهو ولي الهداية والتوفيق.
...
[٧ - من وعد الله للصالحين]
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)} [الأنبياء: ١٠٥].
لما مضى في السورة ذكر الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- وأممهم، وختم الحديث عنهم بذكر الساعة وقربها ومقدّماتها، وأحوال الخلق يوم القيامة- جاء في هذه الآية ذكر الأمة التي جاءت بعد تلك الأمم كلها، وهي أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
وإنما كانت هذه الآية في أمة محمد؛ لأنه لما تكلم على الأمم الخالية لم يسبق الكلام إلاّ عليها؛ فخوطبت بما قضاه الله وكتبه من إرث الصالحين الأرض.
والمخاطبون بهذه الآية المكية هم المؤمنون بالله، الموحدون له، المتبعون لرسوله- محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- المصدق لجميع الرسل صلوات الله عليهم، وهم أصحاب النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وهم الصالحون الموجودون يوم ذاك على وجه الأرض، فكانت الآية إعلاماً بما كتبه الله لهم، ووعداً بإرثهم الأرض.
{الزَّبُورِ} بمعنى المزبور أي المكتوب، والمراد به جنس ما أنزله الله من الوحي على رسله
(١) روى الدارمي في مسنده (المقدمة، باب ٣٢) عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «منهومان لا يشبعان: طالب العلم، وطالب الدنيا».