الذين يجمعون ويساقون إلى جهنم مقلوبين على وجوههم: أولئك شر مكاناً ومستقرا، فإنهم أهل النار، وأضل طريقاً فإنهم سلكوا طريق الكفر الذي أداهم إلى ذلك المستقر.
[حديث]
أخرج الشيخان عن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- أن رجلًا قال: «يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه؛ قال- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟!» (١).
[فقه]
من هذا الحديث علمنا: أنه يجب فيما يرد من الأخبار عن اليوم الآخر أن يحمل على ظاهره، ولو كان غير معتاد في الدنيا؛ لأن أحوال العالم الآخر لا تقاس على أحوال هذا العالم.
[توجيه]
رفعوا وجوههم في الدنيا عن السجود لله، فأذل الله تلك الوجوه فمشوا عليها في المحشر.
ورفعوا رؤوسهم كبراً عن الحق، فنكسها الله يوم القيامة.
ومشوا في طريق النظر والاستدلال مشياً مقلوباً، فمشوا في الآخرة مشياً مقلوباً.
فكان ما نالهم من سوء تلك الحال جزاء وفاقاً لما أتوا من قبح الأعمال، وما ربك بظلام للعبيد.
[تحذير]
فيما يذكره الله- تعالى- من هذا الجزاء العادل، تخويف عظيم لنا من سوء الأعمال التي تؤدي إلى سوء الجزاء، وخصوصا من مثل ما ذكر فيما تقدم من ترك السجود والكبر على الحق والنظر المقلوب.
عصمنا الله والمسلمين أجمعين بالعلم والدين، وهدانا سنن المرسلين آمين يا رب العالمين.
...
[من إكرام الله تعالى عبده تحميله أعباء الرسالة وحده]
{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (٥١)} [الفرقان: ٥١].
قد استفيد من الآيات المتقدمة ما كان يكابده النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من إذاية
(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٢٥ باب ١، ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم حديث ٥٤.