للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فقه هذه المناسبة]

فطر الإنسان على محبته لنفسه، لتحمله هذه الفطرة على المحافظة عليها، والدفاع عنها، وتكميلها بكل وجوه الكمال. وكان من مقتضى هذه المحبة رغبته في الوجود والبقاء، ومما هو قوة في وجوده ومظهر لبقائه أن يرى الناس على فكره وصفاته وأحواله، فيرى نفسه ممثلة في غيره، وأفكاره وصفاته وأحواله باقية ببقاء الناس.

فالخير الكامل من طبعه، ومن مقتضى فطرته .. أنه يحب انتشار الخير والكمال في الناس.

والشرير الناقص من طبعه ومن مقتضى فطرته أنه يحب انتشار الشر والنقص فيهم. فلذا كان لازماً لتتميم وصف عباد الرحمن ذكر محبتهم الخير والكمال لغيرهم.

[ميزان من هذه المناسبة]

قد تخفى عليك دخيلة نفس الإنسان فيمكنك أن تعرفها بما يجري به لسانه، فإذا جرت كلماته بمحبة انتشار الخير والكمال فهو من أهلهما، وإذا جرت بالضد فهو على الضد؛ فما يحب الإنسان انتشاره هو الدليل على صفات نفسه، وهو ميزان تزنه به في الشر والخير، والنقص والكمال.

(الهبة) العطاء من غير عوض، ولا تكون على الحقيقة التامة إلاّ من الله، فهو الغني الوهاب.

(من) ابتدائية فمن ناحية الأزواج والذرية تكون قرة الأعين.

(الأزواج) جمع زوج، وهو يصدق على الرجل والمرأة، والنساء شقائق الرجال وهذا الدعاء كما يكون من المؤمنين يكون من المؤمنات.

كما تصدق الآيات المتقدمة على الموصوفين من الصنفين بتلك الصفات.

(الذرية) من تناسل منهم من أبنائهم وبناتهم. وقرئت بالإفراد لاتحادها في أصل النسل، وبالجمع لاختلافها في الفروع والأنساب.

{قرة أعين}: بردها إن كانت من القر وهو البرد، وسكونها إن كانت من القرور بمعنى الاستقرار.

(الإمام) هو المتبع المقتدى به، وأفرد، لأن المراد به الجنس، وحسن الإفراد من جهة اللفظ لوقوعه فاصلة على وزان ما قبلها وما بعدها. ومن جهة المعنى أن أئمة الهدى كنفس واحدة، لاتحاد طريقهم بالسير على الصراط المستقيم، واتحاد وجهتهم بالقصد إلى الله تعالى وحده.

{قرة أعين} تركيب كنائي فإذا كانت القرة من القر فهو كناية عن السرور، لأن العين في حالة السرور باردة، وإذا سالت منها دموع في حالة الفرح كانت باردة. وإذا كان الإنسان في حالة حزن فالعين تكون سخنة؛ بسبب ثورة النفس وآلامها التي تثير الحرارة، فإذا سالت منها دموع الحزن كانت سخنة.

<<  <   >  >>