وجعلنا الرعية فتنة للراعي حتى يظهر صبره على القيام بواجب رعايتها.
كما جعلنا الراعي فتنة للرعية ليظهر صبرها على طاعته.
وهكذا في جميع أقسام الناس.
أتصبرون على هذا الامتحان فإن الصبر عليه عزيز شديد؟
فاصبروا فإنه لا يخرجكم من هذا الامتحان خالصين خلوص الذهب الإبريز إلاّ الصبر.
وكان ربك يا محمد بصيراً عالماً بعاقبة الامتحان في عباده، مطلعاً على كل ما يكون منهم عند الامتحان ليجازيهم عليه.
[سؤال وجوابه]
الله تعالى عالم بما يكون من عباده بعد امتحانهم، قبل أن يمتحنهم فما هي حكمة الامتحان؛ والجواب: أن الله تعالى إنما يحاسب عباده على ما عملوه وكسبوه واكتسبوه، بما عندهم من التمكن من الفعل والترك، وما عندهم من الاختيارة لا على علمه منهم قبل أن يعملوه، فلهذا يمتحنون لتظهر حقائقهم ويقع جزاؤهم على ما كسبت أيديهم باختيارهم.
ولا حجة لهم في تقدم علمه تعالى بما يكون منهم؛ لأن تقدم العلم لم يكن ملجئاً لهم على أعمالهم؛ ففي هذا الامتحان قيام حجة الله على العاملين أمام أنفسهم وأمام الناس، كما فيه إظهار لحقيقتهم لأنفسهم ولغيرهم.
[تطبيق]
كما يفتن الفرد بالفرد، كذلك تفتن الأمة بالأمة: من ذلك أننا- معشر الأمة الإسلامية- قد فتنا بغيرنا من أمم الغرب، وفتنوا هم أيضاً بنا:
فنحن ندين بالإسلام وهو دين السعادة الدنيوية والأخروية ولكن حيثما كنا- إلاّ قليلاً- لسنا سعداء لا في مظاهر تديننا، ولا في أحوال دنيانا.
ففي الأولى: نأتي بما يبرأ منه الإسلام، ونصرح بأنه من صميمه.
وفي الثانية: ترانا في حالة من الجهل والفقر والذل والاستعباد يرثي لها الجماد.
قلما يرانا الغربيون على هذه الحالة ينفرون من الإسلام، ويسخرون منه، إلاّ من نظر منهم بعين العلم والإنصاف، فإنه يعرف أن ما نحن عليه هو ضد الإسلام. فكنا فتنة عظيمة عليهم، وحجاباً كثيفاً لهم عن الإسلام. فكنا- ويا للأسف- فتنة للقوم الظالمين.
وهم من ناحيتهم نراهم في عز وسيادة، وتقدم علمي وعمراني، فننظر إلى تلك الناحية منهم فنندفع في تقليدهم في كل شيء، حتى معائبهم ومفاسدهم، ونزدري كل شيء عندنا حتى أعز عزيز. إلاّ من نظر بعين العلم فعرف أن كل ما عندهم من خير، هو عندنا في ديننا وتاريخنا، وأن ذلك هو الذي تقدموا وسادوا به. وأن ما عندهم من شر هو شر على حقيقته، وأن ضرره فيهم هو