للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الغرض بيان كمالات الله تعالى وإنعاماته، وتنزيل الفرقان منها، فهو من أعظم نعم الله على البشر، ومن آيات الله الدالة على قدرته وعلمه وحكمته.

{عبده} إضافة تشريف لأنه أكمل العباد.

[المعنى]

تقدس وتعاظم الرب الذي نزل الكتاب الذي يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلال وحزبيهما من الناس، مفصلاً آيات على محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أكمل عباده؛ ليكون بذلك الكتاب- لجميع الإنس والجن- منذراً لهم يعلمهم بعذابه، ويخوفهم بشديد عقابه إن لم يعبدوه وحده، ويخلعوا غيره من آلهتهم الباطلة، ويدخلوا في الدين الذي جاءهم به وهو الإسلام.

[توحيد]

هذا الفعل وهو "تبارك" لا يسند إلاّ إلى الله تعالى؛ ذلك لأن العظمة الحقيقية بالكمال والإنعام والتقديس بالتنزه التام ليسا إلاّ له. وما من كامل من مخلوقاته إلاّ وهو- جل جلاله- الذي كمله. وما من منعم عليه منهم إلاّ وهو تعالى الذي أنعم عليه، وما من زكي منهم إلاّ وهو- سبحانه- الذي زكاه.

[سلوك]

هذا الرب الكامل المكمل، المنعم المتفضل القدوس، هو الذي أنزل هذا الفرقان. فإذا أردت أن ترقى في درجات الكمال، وتظفر بأنواع الإنعام وتزكي نفسك الزكاء التام، فعليك بهدى هذا الفرقان، فهو بساط القدس، ومعراج الكمال، ومائدة الاكرام.

وقد سئلت عائشة- رضي الله تعالى عنها- عن خلق النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فقالت: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ (١)» (٢).

[فقه واستنباط]

لما سمى الله كتابه الفرقان، علمنا أنه به يفرق بين الحق والباطل، ولكل هذا وذاك. فهو الحكم العدل، والقول الفصل بين كل متنازعين يدعي كل منهما أنه على الحق، فيما هو عليه من عقد، أو قول، أو عمل.

فما تقابل حق وباطل، وما تعالجت حجة وشبهة إلاّ وفي هذا الكتاب الحكيم ما يفرق ما


(١) كان خلقه القرآن: معناه العمل به والوقوف عند حدوده والتأدب بآدابه والاعتبار بأمثاله وقصصه وتدبره وحسن تلاوته.
(٢) جزء من حديث روي في الصحاح مطولاً ومختصراً. رواه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث١٣٩. وأبو داود في التطوع باب٢٦. والترمذي في البر باب٦٩. والنسائي في قيام الليل باب٢. وابن ماجة في الأحكام باب١٤. والدارمي في الصلاة باب١٦٥. وأحمد في المسند (٦/ ٥٤، ٩١، ١١١، ١٥٣، ٢١٦،).

<<  <   >  >>