للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[إرشاد واستنهاض]

قد ربط الله بين الأسباب ومسبباتها خلقاً وقدراً بمشيئته وحكمته، لنهتدي بالأسباب إلى مسبباتها، ونجتنبها باجتناب أسبابها.

وقد عرفنا في الآيات المتقدمة بأسباب الهلاك والعذاب لنتقي تلك الأسباب فنسلم، أو نقلع عنها فننجو؛ فإن بطلان السبب يقتضي بطلان المسبب.

وقد ذكر لنا في كتابه أمة أقلعت عن سبب العذاب فارتفع عنها بعد ما كاد (١) ينزل بها، ليؤكد لنا أن الإقلاع عن السبب ينجي من السبب، فقال تعالى:

{إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: ٩٨].

فمبادرتهم للإيمان وإقلاعهم عن الكفر، كشف عنهم العذاب.

وأرشدنا في ضمن هذا العلاج الناجع في كشف العذاب، وإبطال أسبابه، وهو الإيمان.

كما أرشدنا إليه أيضاً في قوله تعالى قبل هذا:

{فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} [يونس: ٩٨]. أي نجاها من العذاب. وذكر قوم يونس دليلًا على ذلك.

وأرشدنا إليها أيضاً في قوله تعالى:

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: ٩٦]، فالإيمان والتقوى هما العلاج الوحيد لنا من حالتنا لأننا إذا التزمناهما نكون قد أقلعنا عن أسباب العذاب.

ولا ننهض بهذا العلاج العظيم إلاّ إذا قمنا متعاونين أفراداً وجماعات، فجعل كل واحد ذلك نصب عينيه، وبدأ به في نفسه، ثم فيمن يليه ثم فيمن يليه من عشيرته وقومه، ثم جميع أهل ملته. فمن جعل هذا من همه، وأعطاه ما قدر عليه من سعيه، كان خليقاً أن يصل إلى غايته أو يقرب منها.

ولنبدأ من الإيمان بتطهير عقائدنا من الشرك، وأخلاقنا من الفساد، وأعمالنا من المخالفات. ولنستشعر أخوة الإيمان التي تجعلنا كجسد واحد ولنشرع في ذلك، غير محتقرين لأنفسنا، ولا قانطين من رحمة ربنا؛ ولا مستقلين لما نزيله كل يوم من فسادنا، فبدوام السعي واستمراره، يأتي ذلك القليل من الإصلاح على صرح الفساد العظيم من أصله.

وليكن دليلنا في ذلك وإمامنا كتاب ربنا، وسنة نبينا، وسيرة صالح سلفنا. ففي ذلك كله ما يعرفنا بالحق، ويبصرنا في العلم، ويفقهنا في الدين، ويهدينا إلى الأخذ بأسباب القوة والعز


(١) في الأصل "كان". والصواب ما أثبتناه.

<<  <   >  >>