فالمستعاذ منه على هذا الاحتمال: شر يقع في زمان.
والاحتمال الثاني: أن الوقوب في حقيقته هو دخول شيء في شيء دخولًا حسياً، فيقتضي ظرفاً مكانياً، وما هذا الظرف إلاّ الأبنية والمساكن، والظلام حين يهجم يدخل المساكن فيملأها، ويكون دخوله فيها أبين من دخوله في الفضاء، وملؤه إياها أشد.
فالوقوب على هذا منظور فيه إلى ظرفه المكاني، لأن الشرور التي ترتكب في البيوت حين يغمرها الظلام أكثر مما يرتكب منها في الفضاء، خصوصاً من الآدميين، والمستعاذ منه على هذا الاحتمال شر يقع في مكان.
وعلى الاحتمالين لما كان الليل معواناً لذوي الشر على شرهم، أضيف الشر إليه واستعيذ بالله منه.
[النفاثات]
و (النفاثات) صفة إما للنفوس فتشمل الرجال والنساء، وتكون الاستعاذة من شر كل من يتعاطى هذا الفعل رجلاً كان أو امرأة، وإما للنساء. وخصصن بذلك لأن وقوع هذا الفعل منهن أكثر، وهن به أشهر.
والنفث إخراج الهواء من الفم مدفوعاً بالنفس بدون بصاق، أو مع قليل منه تتطاير ذراته وهو دون التفل.
والنفث وإن كان عاماً لكنه اشتهر فيما يفعله السحرة، يعقدون خيطاً ويتمتمون عليه برقى معروفة عندهم، وينفثون على عقدة منه بقصد إيصال الشر من نفوسهم الخبيثة إلى نفس المسحور، وما هم بضارين به من أحد إلاّ بإذن الله.
وما أمرنا الله بالاستعاذة من شره إلاّ لأنه يؤثر في بعض النفوس القابلة للتأثر به حاشا النفوس المعصومة، كنفوس الأنبياء فإن شرور الدنيا وأسواءها لا تعدو أبدانهم إلى أرواحهم. ولا يتعاصى على هذه القاعدة ما ورد في سحر لبيد بن الأعصم اليهودي لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وما يوهمه لفظ الرواية، فإن ذلك كله لا يخرج عن التأثر البدني.
[الإعتقاد الصحيح]
ونحن نعتقد ديناً أن تأثير المؤثرات هو من وضع الله وحده.
ونقطع علماً وتجربة أن للقوى النفسية تأثيراً أعظم من تأثير القوى الجسمانية.
وأن من مظاهر هذا التأثير النفساني تأثير العين في المعيون، وتأثير التنويم في المنوم.
وأن التأثير والتأثر النفسانيين يختلفان باختلاف النفوس الفاعلة والمنفعلة قوة وضعفاً.
وأن تأثير العين ليس من ذاتها، وإنما هو من النفس التي من وراء العين.