للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[سلوك وإقتداء]

كان الأعرابي الجاهل المشرك يأتي للنبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فيؤمن به، ويصحبه يتعلم منه الدين، ويأخذ عنه الهدى، فيستنير عقله بعقائد الحق، وتتزكى نفسه بصفات الفضل، وتستقيم أعماله على طريق الهدى؛ فيرجع إلى قومه هادياً مهدياً، إماماً يقتدى به ويؤخذ عنه كما اقتدى هو بالنبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأخذ عنه.

فعلى كل مؤمن أن يسلك هذا السلوك، فيحضر مجالس العلم التي تذكره بآيات الله، وأحاديث رسوله ما يصحح عقيدته، ويزكي نفسه، ويقوِّم عمله.

وليطبق ما يسمعه على نفسه، وليجاهد في تنفيذه على ظاهره وباطنه، وليداوم على هذا، حتى يبلغ إلى ما قدر له من كمال فيه، فيرجع وهو قد صار قدوة لغيره في حاله وسلوكه.

وطلبة علم الدين، الذين وهبوا نفوسهم لله، وقصروا أعمارهم على طلب العلم لدعوة الخلق إلى الله، هم المطالبون- على الأخص- بهذا السلوك ليصلوا إلى إمامة الحق، وهداية الخلق على أكمل حالة، ومن أقرب طريق.

فاللهم وفقنا، واهدنا إلى سنة نبينا، إذا اقتدينا وإذا اقتدي بنا. آمين يا رب العالمين.

...

[جزاء عباد الرحمن]

{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (٧٥) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٧٦)} [الفرقان: ٧٥ و ٧٦].

لما ذكر في الآيات المتقدمة صفاتهم وأعمالهم، ذكر ما أعد لهم من عظيم الجزاء على تلك الأعمال، تنبيهاً على ما وضعه تعالى، بمشيئته وحكمته ورحمته، من الارتباط بين هذه الأعمال، وهذا الجزاء، وإفضائها إليه، إفضاء السبب لمسببه؛ ليسعى الراجون لهذا الجزاء من طريق هذه الصفات وهذه الأعمال، كما يسعى لسائر المسببات من طريق أسبابها، وتؤتي جميع الأمور من أبوابها.

وفي هذا حث لأهل هذه الأعمال على التمسك بما هم به عاملون.

وتنبيه لأهل الغرور على بطلان ما هم به مغترون، والكَيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني (١).


(١) الحديث عن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الكيسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله». رواه أحمد في المسند (٤/ ١٢٤) والترمذي في القيامة باب ٢٥. وابن ماجة في الزهد باب ٣١.

<<  <   >  >>