للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأما العام، فهو إخراجه لهم من العدم إلى الوجود، وإعطاؤه لكل شيء منهم خلقته اللائقة به من تركيب أجزاء ذاته، وتعديل مادة تكوينه، ومن أعضائه- إذا كان من ذوي الأعضاء- التي يحتاج إليها في حياته، لجلب ما ينفعه ودفع ما يضره، وهدايته وإلهامه ما خلق، صالحاً لذلك إلى استعمال تلك الأعضاء، وطرق الجلب والدفع بها.

وأما الخاص، فهو تكريمه، وإنعامه على عباده المؤمنين بنعمة الإسلام في الدنيا، وبدار السلام في الأخرى.

والتكريم المذكور في هذه الآية من القسم الأول العام كما سيتبين في المسألة الرابعة.

[المسألة الثانية]

جميع المخلوقات التي أخرجها الله تعالى من الوجود إلى العدم وإن كانت متساوية في أصل التكريم العام، فإنها متفاوتة فيه بحسب تفاوتها في شرف الذات، وكمال الخلقة:

فعالم النبات أكثر حظاً في التكريم من عالم الجماد، وعالم الحيوان أكثر حظاً منهما، ونوع الإنسان أكثر حظاً في التكريم العام من جميع الحيوانات.

[المسألة الثالثة]

عظم حظ الإنسان من هذا التكريم.

من جهة ذاته: بحسن صورته واعتدال مزاجه.

ومن جهة روحه: بأنها من العالم النوراني العلوي، وبأنها مع اتصالها بالبدن قابلة للتجلي بأكمل الصفات، وأطهر الأخلاق.

ومن جهة عقله: الذي به أدرك الحقائق، وحصل المعارف، وعرف الأسباب ومسبباتها، ووجوه ارتباطاتها واتصالاتها، ونسبة بعضها من بعض؛ فملك، وساد، واستفاد، وأفاد.

[المسألة الرابعة]

هذا التكريم المذكور في المسألة السابقة هو عام للنوع الإنساني من حيث هو إنسان لا فرق فيه بين من آمن ومن كفر؛ لأنه راجع للخلقة الإنسانية التي يتساوى فيها الجميع، والتمكين من أسباب المنافع الذي هو ثابت لجميع النوع بما عنده من عقل وتفكير.

وهذا هو مقتضى العموم المستفاد من لفظ: "بني آدم". ومثل هذا التكريم في العموم: الحمل في البر والبحر، والرزق، لأنهما من جملة التكريم كما تقدم في فصل بيان المعنى.

[المسألة الخامسة]

تفضيل الله تعالى لمن يشاء من خلقه قسمان:

تفضيل في الخلقة، وتفضيل في الجزاء والمثوبة.

<<  <   >  >>