وكم وكم وكم بين القرآن!!! وكم وكم وكم قابلناه بالصد والهجران!!!
[بيان واستشهاد]
شر الهاجرين للقرآن هم الذين يضعون من عند أنفسهم ما يعارضونه به، ويصرفون وجهه الناس إليهم وإلى ما وضعوه عنه؛ لأنهم جمعوا بين صدهم وهجرهم في أنفسهم وصد غيرهم، فكان شرهم متعديا، وبلاؤهم متجاوزاً وشر الشر وأعظم البلاء ما كان كذلك.
وفي هؤلاء جاء ما ذكره الإمام ابن القيم، في كتاب (أعلام الموقعين) عن حماد بن سلمة، ثنا أيوب السختياني عن أبي قلابة عن يزيد بن أبي عميرة، عن معاذ بن جبل، قال:
«تكون فتن، فيكثر المال، ويفتح القرآن، حتى يقرأه الرجل والمرأة والصغير والكبير، والمنافق والمؤمن.
فيقرؤه الرجل فلا يتبع، فيقول: والله لأقرأنه علانية، فيقرؤه علانية فلا يتبع. فيتخذ مسجداً ويبتدع كلاماً ليس من كتاب الله، ولا من سنة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-. فإياكم وإياه، فإنه بدعة وضلالة».
قال معاذ ثلاث مرات. أهـ.
فانظر في قطرنا وفي غير قطرنا، كم تجد ممن بنى موضعاً للصلاة، ووضع كتباً من عنده، أو مما وضعه أسلافه من قبله، وروجها بين أتباعه، فأقبلوا عليها وهجروا القرآن.
وربما يكون بعضهم قصد بما وضع النفع فأخطأ وجهه، إذ لا نفع بما صرف عباده عن كتاب الله. وإنما يدعى لله بكتاب الله، ولذلك سمي صنيع هذا الواضع بدعة وضلالة، وحذر معاذ منه وأكد في التحذير بالتكرير.
وهذا الحديث وإن كان موقوفا على معاذ، فهو في حكم المرفوع، لأنه بمغيب مستقبل، وهذا ما كان يعلمه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، إلاّ بتوقيف من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. وقد تحقق مضمونه في المسلمين منذ أزمان، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
[سبيل النجاة]
لا نجاة لنا من هذا التيه الذي نحن فيه والعذاب المنوَّع الذي نذوقه ونقاسيه:
إلا بالرجوع إلى القرآن: إلى علمه وهديه.
وبناء العقائد والأحكام والآداب عليه.
والتفقه فيه وفي السنة النبوية وشرحه وبيانه.
والاستعانة على ذلك بإخلاص القصد، وصحة الفهم، والاعتضاد بأنظار العلماء الراسخين، والاهتداء بهديهم في الفهم عن رب العالمين.
وهذا أمر قريب على من قربه الله عليه، ميسر على من توكل على الله فيه.