حقيقية التذكير أن تقول لغيرك قولاً يذكر به ما كان به جاهلًا، أو عنه ناسياً، أو غافلًا. وقد يقوم الفعل والسمت والهدي مقام القول، فيسمى تذكيراً مجازاً وتوسعاً.
وحاجة العباد إلى هذا التذكير أعظم ما يحتاجون إليه وأشرف وألزم. فإن سعادتهم الحقيقية في هذه الحياة بإنارة عقولهم، وزكاة نفوسهم واستقامة سلوكهم.
وفي الحياة الأخرى بنعيم الجنان، وحلول الرضوان- إنما هي بإيمانهم بربهم، وشكرهم له.
وإن دلائل وجوده ووحدانيته وقيوميته، وآثار فضله وإحسانه ورحمته- ماثلة في الكون بادية للعيان، داعية إلى الشكر، هادية إلى الإيمان. لكن العقول كثيراً ما تكون مغلولة بقيود أهوائها، محجوبة بحجب غفلتها؟ فتعمى عن تلك الدلائل والآثار، فتكفر كفر جحود وعناد، أو كفر عصيان وطغيان؛ ويكون تورطها في كبائر الذنوب وصغائرها على مقدار تلك الحجب وتلك القيود. وليس- لغير من عصم الله- انفكاك أو خروج منها كلها.
فهم إذن بأشد الحاجة إلى تذكيرهم بتلك الدلائل وتلك الآثار ليحصلوا أسباب سعادتهم بالإيمان والشكر.
[القائمون بالتذكير]
قد علم الله حاجة عباده إلى التذكير، فاصطفى منهم رجالًا أنعم عليهم بكمال الفطرة، ووقاية العصمة، وأرسلهم لتذكير العباد:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[النساء: ١٦٥]، {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ، ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ}[الشعراء: ٢٠٨، ٢٠٩].