ولبيان سبب الدفع جيء بالجملة المستأنفة بعد الجملة الأولى، وأكدتا بـ"إن"، لأن الأولى تحمل المخاطب على أن يسأل سؤال المتردد: هل هؤلاء المدفوعون أعداء مبغوضون؛ فأجيب بالتأكيد.
وحذف مفعول يدافع، ليعم كل ما يدفع؛ فشمل كيد جميع الكائدين.
[التفسير]
هذا من الله- تعالى- خبر حق ووعد صدق للمؤمنين، بأنه يرد عنهم كيد أعدائهم، ويبطل مكرهم، ويكف ضرهم، وإن عظم ذلك منهم وكثر.
وإن هذا منه لهم متكرر متجدد؛ ذلك لأنهم بإيمانهم حافظوا على أمانة الله عندهم، وعهده لديهم، واعترفوا بنعمه وشكروها، فأحبهم الله ورضي عنهم، فأيدهم ونصرهم، ودافع عنهم. ولأن أعداءهم ضيعوا أمانة الله عندهم، بارتكاب المنهيات، وترك المأمورات، وجحدوا وحدانيته أو نبوة نبيه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أو ما جاءهم به من شرعه، فأبغضهم ورد كيدهم مغلوبين مدحورين.
[تحرير في التعليل]
إن الحب من الله والبغض كسائر أفعاله لا تقع إلاّ على وجه الحق والعدل والسداد، وهذا أمر واجب لأفعال الرب الحكيم.
فالمؤمنون أحبهم ونصرهم لإيمانهم، وأعداؤهم أبغضهم وخذلهم لخيانتهم وكفرهم.
واقتضت هذه المقابلة أن الخيانة والكفر من صفات أضدادهم، وليست من صفاتهم.
فإيمانهم مستلزم لأمانتهم بحفظ عهد الله عندهم: في نفوسهم، وعقولهم، وأبدانهم، وجميع ما لديهم على جميع أحوالهم، ومستلزم لاعترافهم بنعم الله وشكره عليها، باستعمالها في طاعته وطلب المزيد من بره.
وأمانتهم هذه وشكره هي مظهر ايمانهم الذي يميزهم عن أضدادهم، ويدل على صدقهم في ذلك الإيمان، ورسوخه في قلوبهم.
فإذا عدمت منهم الأمانة فخانوا الله والرسول وخانوا أماناتهم، وفشت الفواحش والمناكر والبدع فيهم، وصاروا لا يتناهون عن منكر فعلوه، وإذا بطروا نعم الله عندهم فعطلوا منها ما عطلوا بجهلهم وكسلهم وقعودهم عن الخير، وأسباب الحياة والسعادة، واستعملوا منها ما استعملوا في الشر والفساد واتباع الشهوات- إذا كانوا هكذا فقد استوجبوا غضب الله وبغضه ونقمته، وحرموا نصرته ودفاعه، وكانوا هم الظالمين.
[خيانة دون خيانة وكفر دون كفر]
وإنما يخرج المرء عن أصل الإسلام بما كان في أصل العقيدة لا بما كان في الأعمال، إلاّ عملاً يدل دلالة ظاهرة على فساد العقيدة وانحلالها.