للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[والجواب]

أن هذا التأويل إنما يحتاج إليه أن لو كانت الآية هكذا: "إن الأرض لا يرثها إلاّ عبادي الصالحون" بطريق الحصر فيهم.

أما لما كانت الآية لا حصر فيها فلا حاجة إلى هذا التأويل، بل في لفظ الإرث وربطه بوصف الصلاح دلالة على أنها كانت لغيرهم فانتقلت إليهم، وأنها تزول مع زوال وصف الصلاح. وقد جاء التنبيه على أن الأرض يرثها الصالحون وغيرهم، في قوله تعالى: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: ١٢٨].

فيرثها الصالحون نعمة، ويرثها غيرهم فتنة ونقمة، كل ذلك حسب مشيئة الحكيم الخبير.

[إيراد وجوابه]

قد يقال: فما هي الفائدة إذاً في تخصيص الصالحين بالذكر في الآية؟.

[والجواب]

١ - إن هذه الآية خوطب بها أول الناس الصحابة بمكة، وهم الصالحون في الأرض، ليعلموا ما وعدهم الله به، وليعلموا أن قوة الباطل إلى ضعف وأن ضعف الحق إلى قوة.

٢ - ولأن شأن الصالحين -إذا كانوا- أن يكونوا قليلاً سيما أول أمرهم، فهم بحاجة إلى أن يعلموا هذا الوعد، ليزدادوا إيماناً وقوة وثباتاً.

٣ - ولأن الخلق مفتونون بالكثرة في العدد والعدة غافلون عن القوة الروحية والأخلاقية، وما ينشأ عنهما من استقامة، لا يحسبون لذلك حساباً؛ فيحتاجون إلى العلم بأن الصالحين نائلون حظهم من هذا الوعد، وإن كانوا قلة في الناس. و {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: ٢٤٩].

[تحذير من تحريف]

رأى بعض الناس المدنية الغربية المسيطرة اليوم على الأرض- وهي مدنية مادية في نهجها وغايتها ونتائجها، فالقوة عندها فوق الحق والعدل والرحمة والإحسان- فقالوا: إن رجال هذه المدينة هم الصالحون الذين وعدهم الله بإرث الأرض، وزعموا أن المراد بـ {الصالحون} في الآية: الصالحون لعمارة الأرض.

فيالله للقرآن، وللإنسان، من هذا التحريف السخيف!! كان عمارة الأرض هي كل شيء؛ ولو ضلت العقائد، وفسدت الأخلاق، واعوجت الأعمال وساءت الأحوال، وعذبت الإنسانية بالأزمات الخانقة، وروعت بالفتن والحروب المخربة الجارفة، وهددت بأعظم حرب تأتي على الإنسانية من أصلها والمدنية من أساسها.

هذه هي بلايا الإنسانية التي يشكو منها أبناء هذه المدنية المادية التي عمرت الأرض وأفسدت

<<  <   >  >>