للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا مُفْرِطًا في السير يسبق الرفقة فينفرد بلا دليل ولا مُفَرِّطًا (١) فيه فيتخلف عنها بلا معين، نمطاً وسطاً مع الجماعة، لا من الغلاة ولا مع المقصرين.

وأن يستنير بما رفعه أولئك الأدلة من مصابيح الهداية، وأن يسير تحت أنوارها الساطعة، مفتح البصر للاستضاءة بها، غير مغلق الأجفان عنها، متعرفاً بها أديم الأرض، وموقع قدمه منها.

وأن يعرف عظيم الغاية التي هو سائر إليها، فيقصر همه كله في الوصول إليها، ويحضرها قلبه في كل لحظات سيره ليسرع مع الرفعة إليها، وتخف عليه (٢) مشاق الطريق واتعابها، ويعذب لديه كل ألم في الانتهاء إليها.

فبسلوك هذا الطريق القويم، بدلالة الرسول الكريم، وأنوار الكتاب المبين، إلى رب العالمين الرحمن الرحيم- كمال الإنسان العملي المبني على الكمال العلمي.

وقد اشتملت هذه الآيات على ذكر السالكين، وهم المنذرون، وعلى الدليل وهو الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وعلى الطريق وهو "الصراط المستقيم" المنزل من الله، وعلى ما يبين الطريق، وهو القرآن الحكيم.

...

[الحكمة في هذه الآيات]

قال ابن وهب: سمعت مالك- رضي الله عنه- يقول:

«الحكمة الفقه في دين الله والعمل به». ففي الفقه في دين الله الكمال العلمي، وفي العمل به الكمال العملي.

وهذه الآيات- على إيجازها- قد اشتملت على أصول ما به كمال الإنسان العلمي، وكماله العملي، اللذان بهما كماله الروحي والبدني، ونعيمه الدنيوي والآخروي.

وما كماله العلمي وكماله العملي إلاّ بالمعرفة الصحيحة، والسلوك المستقيم، وهما اللذان تقدم [في]. (٣) الفصل السابق بيانهما.

وفسر مالك الحكمة بهما؛ إذ الفقه في دين الله هو المعرفة الصحيحة، والعمل به هو السلوك المستقيم، وهما الحكمة التي وصف به في الآية الأولى القرآن العظيم؛ لأنه كتاب العلم والعمل اللذين لا يكون بدونهما حكيم.


(١) المُفْرط: من فعل أفرط، أي جاوز الحذ والقدر في قول أو فعل. والمفَرِّطُ: من فعل فَرَّط، أي قصر في الأمر وضيعه حتى فات (المعجم الوسيط: [ص:٦٨٣]).
(٢) تحرفت في الأصل المطبوع الى: "عليها".
(٣) سقطت من الأصل المطبوع.

<<  <   >  >>