{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: ١٢٩].
وإلى هذا المثل العملي تشير الآية:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [البقرة: ٢٤٣].
[السر في اختيار العرب للرسالة العامة]
وأما العرب فإنهم اختيروا لوظيفة عالمية عامة لما فيهم شرف متأصل، واستعداد كامل، وصفات مهيأة.
ولهذا كان منبع الرسالة بمكة، وشأنها عند العرب هو شأنها!! فهم مجمعون على تقديسها.
ولأنها في وسط الجزيرة وصميمها، ووسط الجزيرة بعيد كل البعد عن المؤثرات الخارجية في الطباع والألسنة، تلك المؤثرات التي يجلبها الاحتكاك بالأجانب والاختلاط بهم.
وكل أطراف الجزيرة لم تخل من لوثة في الطباع، وعجمة في الألسنة جاءت من الاختلاط بالأجنبي، ولا أضر على مقومات الأمم من العروق الدساسة.
فاليمن دخلتها الدخائل الأجنبية من الحبشة والفرس على طباع أهلها وألسنتهم. والشام ومشارفه كانت مشرفة على الاستعجام. والعراق والجزيرة لم يسلما من التأثر بالطباع الفارسية. فكانت هذه الأطراف تنطوي على عروبة مزعزعة للمقومات، ولم يحافظ على الطبع العربي الصميم إلاّ صميم الجزيرة ومنه مكة التي ظهر فيها الإسلام.
وهذا الوسط وإن كان عريقاً في الصفات التي تسمى العصر لأجلها جاهلياً؛ ولكنه كان بعيداً عن الذل الذي يقتل العزة والشرف من النفوس؛ والجاهل يمكن أن تعلمه، والجافي يمكن أن تهذبه .. ولكن الذليل الذي نشأ على الذل يعسر أو يتعذر أن تغرس في نفسه الذليلة المهينة عزة وإباء وشهامة تلحقه بالرجال.
هذا توجيه موجز مقرب لاختيار الله تعالى العرب للنهوض بالرسالة العامة.
وشيء آخر يرتبط بهذا:
وهو أن الله كما اختار العرب للنهوض بالعالم كذلك اختار لسانهم ليكون لسان هذه الرسالة، وترجمان هذه النهضة، ولا عجب في هذا؛ فاللسان الذي اتسع للوحي الإلهي لا يضيق أبداً بهذه النهضة العالمية مهما اتسعت آفاقها وزخرت علومها.