قومه، وما كان يلقاه من مكابرتهم للحق، وتعنتهم بالباطل، وقد أحاط به الأعداء من كل جانب، ولقيته العقبات من كل ناحية، وما كان يعانيه من الجهد الجهيد في إنذارهم، وتبليغ دين الله تعالى إليهم.
وهو في ذلك كله جاهد في القيام بتبليغ الأمانة، ناهض بأعباء الرسالة، ماض في تلك السبيل، ليس معه من نذير.
وقد كان ذلك مما تتفسخ له القوى البشرية لولا تأييد من الله، فأراد تعالى في هذه الآية أن يثبته في مقامه، ويؤنسه في انفراده؛ فيبين له أن تخصيصه بالقيام هذا المقام العظيم، هو لأجل تعظيمه وتكريمه، وتخصيصه بالأجر الكثير، والثواب الذي ليس له من مثيل.
(البعث) الإرسال.
(القرية) منازل الناس حيث يقيمون ويكونون مجتمعاً كبيراً أو صغيراً.
(النذير) المخوف من الوقوع في الشر والهلاك.
مفعول المشيئة محذوف قياسا، وتقدير الكلام: ولو شئنا أن نبعث. والبعث في كل قرية منتف بحكم لو، لأنها هنا تدل على امتناع جوابها لامتناع شرطها.
[المعنى]
لو أردنا لأرسلنا في كل بلدة ومصر رسولاً، ينذرهم ويخوفهم من حلول نقمتنا بهم، بكفرهم بنا، ومعصيتهم لنا، فيخف عنك عبء ما حملت، ويسقط عنك بذلك تعب كثير.
ولكنا لم نرد ذلك، وحملناك أنت وحدك أعباء وأثقال النذارة لجميع القرى؛ ليظهر فضلك بعموم رسالتك؛ ويعظم أجرك بعظم جهادك وصبرك؛ ويكثر ثوابك بكثرة من يؤمن بك، ومن تود وتعمل ليؤمن بك.
[حديث]
صح عن النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: «أعطيت خمسا لم يعطهم أحد قبلي،
كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود،
وأحلّت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي،
وجعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً؛ فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان،
ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر،
وأعطيتُ الشفاعة».
هكذا جاء هذا الحديث عن جابر بن عبد الله في صحيح مسلم (١).
(١) كتاب المساجد ومواضع الصلاة، حديث رقم ٣.