يُعْجِبُهُ السَّخُونُ والْبَرُودُ ... وَالتَّمْرُ، حُبًّا مَا لَهُ مَزِيدُ (١)
فنصب حباً بيعجب؛ لأن الإعجاب متضمن للحب.
أو نصب على أنه حال كجاءني زيد ركضاً.
ونصب طولًا على أنه تمييز، أي من جهة الطول. والتقدير: ولن يبلغ طول الجبال.
[المعنى]
حب الإنسان لنفسه غريزة فيه، وذلك يحمله على الإعجاب والفرح بها، وبكل ما يصدر عنها. ويستخفه ذلك حتى يتركه يمشي بين الناس مختالًا متبختراً، وهذه هي مشية المرح التي نهى الله تعالى في هذه الآية عنها.
ولما كانت هي فرعاً عن الإعجاب بالنفس والفرح بها، فالنهي منصبٌّ على أصلها كما انصبَّ عليها.
ولما كانت هذه العلة ناشئة عن علة العجب، أعقب الله تعالى بيان الداء الذي نهى بذكر الدواء الذي يقلعه من أصله، فقال تعالى:
{إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا}. فذكر الإنسان بضعفه بين مخلوقين عظيمين من فوقه ومن تحته، فإذا ضرب برجليه الأرض في مرحه فهو لا يستطيع خرقها. وإذا تطاول بعنقه في اختياله فهو لن يبلغ طول الجبال، فقد أحاط به العجز من ناحيتيه.
وذكر الإنسان لضعفه وعجزه أنجع دواء لمرض إعجابه بنفسه.
نعم، الإنسان أعظم من الأرض والجبال بعقله، ولكنه لو سار على نور عقله لما مشى في الأرض مرحاً، لأن عقله يبصره بعيوب نفسه، ونقائص بشريته، فلا يدعه يعجب فلا يكون من المرحين، فما مرح إلاّ وهو محروم من نور العقل مفتون بمادة الجسم، فذكر بضعف هذا الجسم وصغارته.
[العجب أصل الهلاك]
إذا أعجب المرء بنفسه عمي عن نقائصها، فلا يسعى في إزالتها، ولهى عن الفضائل فلا يسعى في اكتسابها؛ فعاش ولا أخلاق له، مصدراً لكل شر، بعيدا عن كل خير.
وعن العجب بالنفس ينشأ الكبر على الناس، والإحتقار لهم، ومن احتقر الناس لم ير لهم
(١) الرجز لرؤبة بن العجاج، وهو في ملحق ديوانه [ص:١٧٢] والمقاصد النحوية (٣/ ٤٥). والرجز بلا نسبة في شرح الأشموني (١/ ٢١٠) وشرح المفصل (١/ ١١٢) واللمع في العربية (ص ١٣). وفيه شاهد نحوي، وهو قوله: «يعجبه .. حبًا» حيث جاء المفعول المطلق مصدرا من غير اشتقاق الفعل، أي من غير لفظ الفعل، ولكن من معناه.