للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يقال على هذا: أقر الله عين المحق، وأسخن عين المبطل.

وجاء عليه قول أبي تمام:

فَأَمَّا عُيُونُ الْعَاشِقِينَ فَأَسْخَنَتْ ... وَأَمَّا عُيُونُ الشَّامِتِينَ فَقَرَّتْ

فقرة أعينهم على هذا، كناية عن سرورهم بأزواجهم وذريتهم، بما هم عليه من الخير والكمال وإعانتهم لهم عليهما.

وإذا كانت القرة من القرور، فهي كناية عن سكون النفس بحصولها على ما يرضيها من الأزواج والذرية.

ومعنى هذا أن النفس إذا لم تحصل على ما يرضيها، تعلقت بما عند غيرها وتشوقت إليه، فتمتد إليه العين، ويطمح إليه البصر. وإذا حصلت على ما يرضيها زالت عن ذلك التعلق وانكفت عن التشوف؛ فسكنت العين فلم تمتد إلى غير ما عندها، ولم يطمح البصر إليه؛ ولهذا كما كان قرور العين كناية عن رضى النفس وسكونها كان امتداد العين كناية عن اضطراب النفس وتشوفها وتعلقها. وعليه قوله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: ٣١].

فقرة أعينهم على هذا كناية عن رضى أنفسهم بما يكون لهم من أزواج وذرية، موصوفين بالصفات المرضية، من طاعة الله في القيام بوظائف الدين والدنيا، وإعانتهم لهم على القيام بها.

[المعنى]

ومن صفات عباد الرحمن أنهم يدعون ربهم، يسألونه أن يهب لهم أزواجاً وذريةً، تقر بهم أعينهم، بأن يكونوا موصوفين بمثل صفاتهم سائرين على منهاجهم، معينين لهم على ما هم عليه، ويسألونه أن يكونوا على أكمل حال في العلم والعمل والاستقامة، يقتدي بهم فيها المتقون.

[الأحكام]

الأول:

التزوج وطلب النسل هو السنة: سنة النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وسنة أصحابه عليهم الرضوان، وسنة عباد الرحمن، وليس من شريعته الحنيفية السمحة؛ الرهبانية، والتبتل.

وقد رأى قوم من الزهاد رجحان الانقطاع إلى العبادة على التزوج والاشتغال بالسعي على الزوج والذرية، فرد عليهم أئمة الدين والفتوى بأن في التزوج اتباعاً للسنة، وفي السعي على الأهل ما هو من أعظم العبادة.

وفي التزوج تكثير سواد الأمة والمدافعين عن الملة والقائمين بمصالح الدين والدنيا، وفي هذا ما فيه من الأجر والمثوبة.

<<  <   >  >>