وقد أخذ المسلمون يصيخون (*) أسماعهم ويستجيبون- أفواجاً أفواجاً- لداعي الإصلاح أينما دعاهم. وفي ذلك- والحمد لله- ما يقوي الرجاء والأمل، ويبعث على الجد والعمل: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التغابن: ١٣].
...
[٥ - الود من إكرام الله لأولياء الله]
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (٩٦)} [مريم: ٩٦].
سبب النزول، ووعد السابقين:
كان السابقون الأولون من المؤمنين في أول الإسلام بمكة مبغوضين من أهل مكة المشركين، مهجورين منهم، مزهوداً فيهم.
ومن أشد الألام على النفس وأشقها أن يعيش الإنسان بين قومه مبغوضاً مهجوراً، مزهوداً فيه، خصوصاً مثل تلك النفوس الحية الأبية.
فأنزل الله هذه الآية تأنيساً لأولئك السادة، ووعداً لهم بأن تلك الحالة لا تدوم، وأنه سيجعل لهم وداً، فيصيرون محبوبين مرغوباً فيهم.
وقد حقق الله وعده: فكان أولئك النفر بعد، السادة المقدمين من أقوامهم وعشائرهم، لسبقهم وفضلهم. وكانوا- وهم قادة الجيوش في الفتوحات الإسلامية- المحبوبين هم وجيوشهم، المرغوب فيهم من الأمم التي فتحوها؛ لعدلهم ورحمتهم، ورفعهم لنير الاستعباد الديني والدنيوي، الذي كانت تئن تحته تلك الأمم.
وأثبت التاريخ أن بعض الأمم الأجنبية دعتهم إلى إنقاذها من أيدي رؤسائها.
فكانت هذه الآية من آيات الإعجاز بالإعلام بما يتحقق في الاستقبال مما هو كالمحال في الحال فكان على وفق ما قال.
[عموم الوعد لعموم اللفظ]
الإيمان، وهو التصديق الصادق المثمر للأعمال. والأعمال الصالحة، وهي المستقيمة النافعة المبنية على ذلك الإيمان- هما اللذان جعلهما الله سبباً في تحقيق جعل هذا الود، لما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} فيعم ذلك كل أهل الإيمان والعمل الصالح، وهم أولياء الله و {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال: ٣٤].
[سبب الود وسبب الجعل]
تكسب مودة الناس بأسباب متعارفة بينهم منها القرابة، ومنها الصداقة، ومنها صنائع المعروف، ومآثر الإحسان.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في المعجم الوجيز [((أصاخ)) له، وإليه: استمع]