للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونظير هذا التقييد قوله في آية النور: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

[تنظير]

مثل هذه الآية فيما تضمنته من الوعد الذي يقوّي به قلوبهم، ويثبت إيمانهم، ويظهر به صدق نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، بما أعلمه به من غيب، أحاديث صحيحة كقول النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لخبّاب (١) رضي الله عنه وقد لقي الصحابة من المشركين شدة، فسأله أن يدعو. فقال له النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه. وليُتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلاّ الله» (٢).

وكقوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لعدي بن حاتم رضي الله عنه: «فإن طالت بك حياة لترين الظغينة (٣) ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلاّ الله، ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى» (٤).

وقد امتدت به الحياة حتى رأى ذلك. ومثل هذا أحاديث أخرى في الصحيح، فقد تطابقت الآيات والأحاديث في هذا الوعد.

وقد صدق الله وعده لعباده الصالحين، وصدق نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، بما لم يكن يعلمه أحد، ولا يرى شيئاً من أسبابه، بل لا يرى إلاّ ما هو مناف له؛ ولكن العاقبة للمتقين.

[إشكال وحله]

قال أناس: إن أرض الدنيا كما يستولي عليها الصالحون، ويستولي عليها غيرهم. والأرض التي لا يرثها إلاّ الصالحون هي أرض الجنة؛ فيجب تأويل الآية بها.


(١) هو الصحابي الجليل خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد المتوفى سنة ١٩ أو ٣٧هـ. انظر ترجمته في الإصابة (٨/ ٢٥٢) وأسد الغابة (٤/ ١١٢) وتجريد أسماء الصحابة (٢/ ١٥٥) وأسماء الصحابة الرواة (ترجمة ٨٩) وحلية الأولياء (١/ ١٤٣، ٣٥٩) وشذرات الذهب (٤٧/ ١) وسير أعلام النبلاء (٣٢٣/ ٢) والثقات (٦/ ١٠٣) وتهذيب التهذيب (٣/ ١٣٣) وتقريب التهذيب (٢/ ٢٢١) وخلاصة تهذيب الكمال (٢٨٧/ ١) وتاريخ البخاري الكبير (٣/ ٢١٥) وتاريخ البخاري الصغير (٧٨/ ١) والجرح والتعديل (٣/ ١٨١٧).
(٢) رواه البحاري في المناقب باب ٢٥، والإكراه باب ١. وأبو داود في الجهاد باب ٩٧. وأحمد في المسند (٥/ ١٠٩)
(٣) كانت في الأصل المطبوع: "الضغينة". والصواب ما أثبتناه من مسند الإمام أحمد. انظر الحاشية التالية. والظعينة: الراحلة يرتحل عليها. والظعينة أيضاً: الزوجة.
(٤) جزء من حديث طويل أخرجه أحمد في المسند (٢٥٧/ ٤، ٨٣٧٨).

<<  <   >  >>